العلاج الكيماوي للسرطان عند الأطفال.. القضاء على الخلايا السرطانية وتدميرها بعرقـلة وتقويض نسق العمليات الحيوية داخلها

العلاج الكيماوي هو علاج باستخدام أدوية خاصة تُعرف بالعقاقير الكيماوية المضادة للسرطان، تقوم بالقضاء على الخلايا السرطانية و تدميرها، و ذلك بعرقـلة و تقويض نسق العمليات الحيوية داخلها، و تأتي الميزة الرئيسية لهذا العلاج من مقدرته على معالجة الأورام المتنقلة و المنتشرة، بينما يقتصر العلاج الإشعـاعي أو العمل الجراحي على معـالجة الأورام المنحصرة بمواضع محدّدة، وتعود فعّاليته المتميّزة إلى حقيقة أن الخلايا السرطـانية، بطريقة ما، هي أكثر حساسية و أشد تأثراً بالكيماويات من الخـلايا الطبيعية، وقد يتم استخدامه كعلاج وحيد في بعض الحالات، أو جزء من برنامج علاجي متكامل يتضمن عدة علاجات مشتركة، ويتم اتخاذ القرار باستخدام هذا العلاج، بالموازنة ما بين فعّاليته وتأثيراته الجانبية و مضاعفاته المستقبلية، و بين خطورة السرطـان، و بطبيعة الحال فمضاعفاته و آثاره مقبولة مقارنة بالمرض نفسه، إضافة إلى أن المردود العلاجي إيجابي بدرجة كبيرة.
    و قد يُسمى العلاج الكيماوي بالعلاج الجهازي (systemic) أو البدني؛ حيث يشمل كل بُنية الجسم، نظراً لانتقال العقاقير الكيماوية عبر الدورة الدموية إلى كل أجزاء الجسم، و لمقدرتها على تدمير الخلايا السرطانية حيثما تبلُغ، و قد يتم استخدامه قبل المباشرة بالجراحات عند الأورام الصلبة تحضيراً لها و بُغية تسهيلها؛ بحصره و تقليصه لكتلة الورم، بما يُعرف بالعلاج الكيماوي المبدئي المُساعد ( Neoadjuvant )، كما قد يُستخدم عقب انتهاء العمل الجراحي و استئصال الأورام؛ بهدف القضاء على أية خلايا ورمية غير ممّيزة قد تكون متبقية، و المساعدة في تجنّب عودة النمو الورمي للخلايا السرطانية، فيما  يُعرف بالعلاج الكيماوي المُضاف (adjuvant).
و يتم تناول أدوية العلاج الكيماوي بطرق و قنوات مختلفة، فمنها ما يؤخذ عن ‏طريق الفم على هيئة أقراص أو كبسولات أو سوائل، و أغلبها تُحقن بالجسم، بطرق الحقن المختلفة: الحقن في الوريد، الحقن في العضل، ‏الحقن في شريان رئيسي أو الحقن موضعيا مباشرة تحت الجلد، و إن كان الحقن الوريدي هو أكثر الطرق استخداماً، و قد تُستخدم وسائل أخرى للمساعدة على الحقن، مثل ‏ استخدام القسطرات (catheters)، التي يتم زرعها عادة بالصدر و يمكن استخدامها لفترات طويلة، كما يتم حقن الأدوية مباشرة إلى السائل الشوكي المُخّي المُحيط بالحبل الشوكي و الدماغ، فيما يُعرف بالحقن الغِمدي (Intrathecal) سواء للقضاء على الخلايا الورمية، أو لحماية الجهاز العصبي المركزي و الدماغ، و يتم ذلك عادة بالحقن عبر الفقرات القَطَنية أسفل العمود الفقري، أو عبر أداة قسطرة خاصة تُزرع تحت فروة الرأس تُعرف بمحفظة أومايا (Ommaya reservoir).
وتتكون البرامج العلاجية عادة من عدة دورات متكررة تفصل بينها فترات نقاهة، و قد يتلقى المريض خلال كل دورة توليفة مشتركة من عدة أدوية كيماوية، أو يتم الاقتصار على عقار واحد، حسب نوع الورم و المخطط العلاجي المقرر، و بصفة عامة يتم استخدام العلاج الكيماوي خلال فترات زمنية متطاولة لتخفيض كمّ الخلايا السرطانية بالتدريج، إلى الحدّ الذي يتمكن فيه نظام المناعة بالجسم من السيطرة على أي نمو ورمي، إضافة إلى أن الفسحة الزمنية ما بين الجرعات توضع بغرض تحقيق أكبر تأثير على الخلايا السرطانية، و بنفس الوقت إعطاء فترة كافية للسماح للخلايا و الأنسجة العادية كي تتعافى من مفعول العقاقير الكيماوية، إذ أن لأنواع العقاقير المختلفة تأثيرات بدرجات متفاوتة على الخلايا و الأعضاء الطبيعية السليمة، خصوصا الخـلايا و الأنسجة سريعة النمـو و غزيرة التكاثر و دائمة الاستبدال، مثل خلايا النخاع العظمي، و خلايا و أنسجة الجهاز الهضمي، إضافة إلى بعض الأعضاء الحيوية مثل الكبد و الكليتين، مما يؤدي بدوره إلى نشوء المضاعفات الجانبية المُصاحبة، و التي تتفاوت في الشدّة و النوعية من عقار لآخر، و من شخص لآخر، و من دورة علاجية لأخرى حتى بالنسبة لنفس الشخص، و تعتمد أساساً على نوع و جرعة العقار المُستخدم و تفاعل الجسم حياله، و هذه التأثيرات متعددة؛ و تشمل إحباط النخاع العظمي (وبالتالي إنخفاض تعداد خلايا الدم)‏، ومضاعفات الفم و اللثة (مثل الالتهابات والتقرح و الجفاف)، و تساقط الشعر المؤقت، و الإمساك و الإسهال، و الإعياء و الغثيان و التقيؤ و فقدان الشهية، و تحسس الجلد و البشرة، و يتم عادة تناول أدوية مُساعدة، و اتخاذ بعض التدابير الوقائية و المساندة؛ لتجنب مثل هذه التأثيرات و للوقاية منها و للتخفيف من حدّتها، قبل الدورات العلاجية و أثناءها و عقب انتهائها.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال