الشمولية الروسية.. الشيوعية عقيدة وممارسة لعبودية اخترعت من قبل روسيا وفتنت العمال والفلاحين والأساتذة خارج الإمبراطورية



يجب علينا أن نفهم أولاً، لماذا كان لروسيا نفوذ قوي جداً على العالم في الماضي، من أجل تقدير ما يمكن أن تقدمه روسيا من إيجابية للعالم الحاضر. فالشيوعية عقيدة وممارسة لعبودية اخترعت من قبلها، وفتنت العمال والفلاحين والأساتذة، خارج الإمبراطورية، مشكّلة طموحات الشيوعية بقوة كونية. ويتوضح نجاح الشيوعية، عن طريق وجودها في جزء جيد من العالم، بصورة رئيسة، وفي جزء مركزي من أوراسيا، مع وجود بنيانات عائلية ساداتية، وسلطوية، معدة مسبقاً، مع أيديولوجية شيوعية جيدة، طبيعية. لكن، نجحت روسيا، في زمن ما، في تنظيم كل ذلك، على المستوى الكوني، لتصبح قلب إمبراطورية، أيديولوجية. لماذا؟
روسيا، جبلّة شمولية والمساواة منقوشة في قلب البنية العائلية لدى الفلاحين الروس. عن طريق مبدأ أو قاعدة الوراثة المتطابقة حتماً. فقد رفض النبلاء الروس أنفسهم في عهد بطرس الأكبر، بكر أبويه ـ بكورية ـ في قاعدة الوراثة، مفضلين الابن البكر أكبر الأولاد، على جميع الآخرين. وجرى محو الأمية تماماً بين الفلاحين في زمن الثورة، في القرن العشرين. وأدرك هؤلاء تلقائياً. وبصورة عفوية، بأن الناس متساوون، مسبقاً. وأكدت الشيوعية كعقيدة شمولية، معروضة للعالم أجمع. وسمح هذا التقريب الشمولي، بتحول الإمبراطورية الروسية، إلى الاتحاد السوفياتي. فقد طمحت البلشفية، بأن تغوي، وبأن تجعل أو تعتبر الناس جميعاً متساوين، في دوائرها الحاكمة، من أقليات الإمبراطورية، بلطيق، يهود، جورجيين، أرمن وغيرهم....
وسقطت الشيوعية. ويتبدل الأساس في علم الأجناس البشرية (ANTHROPOLOGIQUE)، في المجال السوفياتي القديم، لكن، ببطء. فإذا نجحت الديموقراطية الروسية الجديدة، فستحتفظ، ببعض خصوصياتها، التي يجب أن نتخيلها، إذا أردنا، توقع سلوكها القادم، على المسرح الدولي. لن يصبح الاقتصاد الروسي الليبرالي، رأسمالياً فردياً، مطلقاً، على الطريقة الأنجلو ـ ساكسونية. بل إنها ستحافظ على خطوط جماعية، خالقة أشكالاً ترابطية أفقية، بحيث أنه من المبكر جداً، تحديد ذلك، منذ الآن أيضاً. لن يعمل النظام السياسي، على الطراز التعاقبي، بوجه الاحتمال، حسب الطريقة الأمريكية أو الإنجليزية، المقسمة ثنائياً. فمن يريد التأمل بشكل المستقبل الروسي، عليه أن يعيد قراءة الكتاب الكلاسيكي لأناتولي لوروا ـ بوليو ـ ANATOLE LOROY BEAULIEU، وسيجد فيه ـ ما يمكن أن يتأمله من المستقبل الروسي. وهو يحمل العنوان: إمبراطورية القياصرة والروس (L'EMPIRE DES TSARS ET LES RUSSES)، الذي يرجع تاريخه إلى الفترة (1897ـ 1898)(3) سيجد الوصف المستوعب للسلوك والمؤسسات والحساسية المجتمعية، عشرين عاماً أو أربعين، قبل انتصار الشيوعية.
وسيستمر الاقتراب الشمولي في السياسة الدولية، مع انعكاسات ردود فعل غريزية أو فطرية. وعندما تثير هذه سخط الولايات المتحدة، على سبيل المثال، عن طريق الاقتراب المؤيد للمساواة فيما يتعلق بأوضاع الصراع "الصهيوني ـ الفلسطيني". والروس، على عكس الأمريكيين، ليس لديهم تفضيل بين الناس، كالهنود والسود والعرب. ولم يسبق لهم ـ من جانب آخر، ومنذ القرن السابع عشر، أي منذ غزو سيبيريا ـ أن قضوا على هنودهم ـ من الباشكير، والأوستياك، والماريز، والساموديد، والبوريات، والتونغوس، والياكوت، والبوكاغير، والتشوكتش ـ حيث يوضح بقاء هؤلاء البنية المعقدة للاتحاد الروسي.
تنقص الجِبِلَّة أو المزاج الشمولي الروسي، وبشكل صارم، هذه السياسة الدولية، في هذه الأزمنة. ويوضح اختفاء القوة السوفياتية، التي طبعت علامة مساواتية في العلاقات الدولية، جزئياً، الثورات أو الهياجات في الميول التفاضلية، الأمريكية، والصهيونية. ولا يمكن لعودة روسيا إلى حقل علاقات القوة الدولية، إلا أن تصبح ورقة رابحة، بالنسبة لمنظمة الأمم المتحدة. وإذا لم تغرق روسيا في الفوضى أو في الاستبداد والتسلط، يمكنها عندئذٍ، أن تصبح عامل توازن أساسي: أمة قوية، دون أن تكون تسلطية أو هيمنية، معبرة عن إدراك حسي مساواتي في العلاقات بين الشعوب والأمم. وستصبح هذه الحالة، أكثر سهولة، بمقدار ما تكون غير معتمدة اقتصادياً، مثل الولايات المتحدة، على الاستيلاء على العالم بطريقة غير متناسقة، ونهب البضائع، ورؤوس الأموال أو النفط.


ليست هناك تعليقات