الحضارة الإسلامية.. الموازنة بين المادة والروح والدعوة إلى السلام النفسي والاجتماعي والقيم الفاضلة والمبادئ الراقية العظيمة

قامت الحضارة الإسلامية على هدي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ويترتب على هذا أنها تتميز بالثبات ولا تتأثر بالعوامل أو الظروف والمؤثرات الاجتماعية والثقافية.

تخاطب الشريعة الإسلامية المكلفين في كل مكان وزمان وتنظم كافة جوانب الحياة البشرية، ومن هنا كانت حضارة لها ملامحها المميزة ولها خصوصيتها وطابعها.

لم تكن حياة البشرية قبل الإسلام تختلف كثيراً رغم الفرق الهائل في مستوى الرقي الذي بلغته الإنسانية اليوم، فقد كانت حياة العرب في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام والتي عرفت بالجاهلية تتسم بالغلو في الحريات وغلبت عليها الماديات فكان الإنسان سلعة رخيصة يسفك دمه ويهدر عرضه من أجل نزوة عابرة وها نحن اليوم نعيش ذات العصر ولكن بأسلوب علمي متقدم.

جاء الإسلام وهو الخبير بعلل النفس البشرية المدرك لنزعاتها، البصير بكيفية إعادتها إلى الاتزان والعقلانية فقادها إلى شاطئ الأمان بإحياء الجانب الروحي الذي كان كامناً في أعماقها محاصراً بنوازع الشر ودوافع الغرائز الجامحة.

كما أن الإسلام وازن بين المادة والروح، فهذب الطباع القاسية، وطهر القلوب الدنسة، وارتفع بفكر الإنسان وعقله، داعياً إلى القيم الفاضلة والمبادئ الراقية العظيمة، لا إفراط في الحريات وإشباع الرغبات، ولا رهبانية وانقطاع للعبادة وإهمال للدنيا. يقول تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا}.

كان الإسلام دعوة إلى وحدة العقيدة ووحدة الأمة {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} وكان دعوة إلى السلام النفسي والاجتماعي فكان المجتمع المسلم المترابط المتعاون على البر والتقوى.. {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}. {وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون}، المتحاب المتآلف {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسم إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى}.

الدين الإسلامي ليس مجرد عقيدة وإن كانت هي الأساس الراسخ القوي الذي قام عليه بناء الأمة المسلمة لكنه جوهر الوجود الإنساني الذي يدعو إلى الاعتقاد بوجود الإله الواحد الأحد الذي أبدع كل شيء وخلقه {قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار}، {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه}. {لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا}.

جاء الدين الإسلامي دستوراً لحياة المسلم فهو يدعو إلى الحياة الاجتماعية الفاضلة القائمة على الأخوة المطلقة فلا فضل لمسلم على آخر إلا بالتقوى ... {إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى}.

حث الإسلام على احترام حياة الإنسان حياً وميتاً وحرم دمه وماله وعرضه.. {إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ألا هل بلغت}.

أبان الدين الإسلامي الحلال من الحرام {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}. ونظم شئون حياة الفرد وعلاقته بالجماعة وحث على التعليم.

وكان الإسلام بداية تحول حضاري، وأصبح العرب بفضله أسبق حضارة، فقد عرفوا النظام الاجتماعي الراقي، ونظام الحكم الديمقراطي العادل، فأمنوا واستقروا في وقت كان فيه العالم يعيش في عصور الظلم والإقطاع بكل قسوتها وغلظتها وبشاعتها واستغلالها.

إذا كانت الحضارات هي خلاصة جهود بشرية وتجارب إنسانية واجتهادات فردية فقد نتج عنها تراث روحي وعقلي وخلقي، وكان هدفها سعادة الإنسان ورفاهيته، وقد ارتبطت معظم الحضارات بالعنصر الروحي، ومن أبرز خصائص الحضارة الإسلامية أنها لا ترتبط بالعنصر الروحي فحسب، بل هي نتيجة له.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال