صدام الحضارات.. الصراعات المستقبلية سوف ترتبط بتوزيع الثروة بين الدول والمستقبل لن يأتى معه بنهاية التاريخ أو بالصدام بين الحضارات

إن نظرية (هنتنجتون) أحادية السبب تمامًا ، فهو لا يأخذ فى الحسبان الآثار التى تركها اقتصاد السوق الحر على الأنظمة السياسية، وكذلك القوى التى حررت قيودها عمليات التكامل الاقتصادية؛ ولهذا السبب فافتراض أن الصراعات المستقبلية سوف ترتبط بتوزيع الثروة بين الدول يستند إلى قدر أكبر من االمصداقية.
ونسق العالم ذو القطبية الثنائية لم يحل محله (الصدام بين الحضارات) الذى ذكره (هنتنجتون)، ولكن جاء بدلاً منه على حد قول (جيرجين هيبرمان): (عدم القدرة على التنبؤ مجددًا).
وعلى الرغم من ذلك يمكننا أن نؤكد أن المستقبل لن يأتى معه بنهاية التاريخ، أو بالصدام بين الحضارات.
أما الصدام الحقيقى اليوم فليس بين الحضارات، ولكن فى داخلها بين ذوى النظرة الحديثة التقدمية وبين من يتمسكون منهم بنظرة العصور الوسطى.
وكمثال على ذلك: فبعد الهجوم على مركز التجارة العالمي قام (جيري فالويل) بمخاطبة مشاهدى التليفريون قائلاً: إن أمريكا تستحق العقاب! فمن وجهة نظره أن من يجرون عمليات الإجهاض، والمناصرين لحقوق الشواذ، وكذلك المحاكم الفيدرالية التى منعت الصلاة فى المدارس ، قد أثارت غضب الرب.
وعلى حد قول (هنتنجتون)، فللإسلام حدود مخضبة بالدماء، وهذه المقولة ليست فقط رمزية تاريخية، ولكن لها خطورتها أيضًا، فالإسلام والمسيحية عاشا جنبًا إلى جنب لمدة 1400 عام تقريبًا، دومًا كجيران، وفي معظم الوقت كخصوم، وفي الواقع من الجائز اعتبارهما شركاء؛ حيث إنهما يشتركان فى نفس الموروث اليهودى الهيلينى الشرقى، وهما فى آن واحد تجمعهما معرفة قديمة.
والحضارة الإسلامية ليست غريبة كما تبدو غالبًا فى ضوء التحاملات والتصورات الغربية المسبقة.
ومن أكثر الأساطير شيوعًا أسطورة تشارلز مارتل الذى أنقذ الغرب من الدمار بانتصاره على العرب فى بواتييه فى عام 732م، فقد أجبر العرب على الانسحاب من جبال البرانس حتى عادوا إلى جنوب أسبانيا؛ حيث استمرت الدولة الإسلامية التى قامت هناك في الازدهار لما يناهز 800 سنة.
وهذا التواجد الإسلامى فى القارة الأوروبية لم يتسبب فى انهيار الحضارة الغربية، بل أسفر عن تآلف متفرد ومثمر بين الإسلام والمسيحية واليهودية، مما أدى إلى ازدهار ليس له مثيل فى العلم والفلسفة والثقافة والأدب.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال