تجربة الغربة والضياع في ظاهرة الشعر الحديث.. تربة الواقع العربي الذي حولته النكبة إلى خرائب وأطلال

تجربة الغربة والضياع في ظاهرة الشعر الحديث:

لم يكنِ الشاعر العربي الحديث بمعزل عن المؤثرات العامة المحيطة به، بدءاً بواقع الهزيمة الأسود مع نكبة فلسطين عام، مرورا بالمد القومي الوليد، وصولا إلى انهيار الواقع العربي وما أحدثه من زرع الشكوك في نفوس المثقفين والمبدعين، وإسقاط كل الوثوقيات العربية التقليدية والثوابت المقدسة والطابوهات.

التيارات المؤثرة في الشعر العربي:

لقد مكنت كل هذه الاهتزازات الشاعر العربي الحديث من خلخلة الثوابت، والانفتاح على ثقافات العالم، شرقه وغربه، وكذا على التراث العربي، فكان:
  • استيعاب الروافد الروافد الفكرية القادمة من الشرق، (مذاهب صوفية، تعاليم متحدرة من الديانات الهندية والفارسية والصابئة).
  • الاستفادة من الفلسفات الغربية الحديثة، من وجودية واشتراكية.
  • التفاعل مع أشعار: بابلونيرودا، وبول ايليوار، ولويس أراكون، وكارسيا لوركا، وماياكوفسكي، وناظم حكمت، وتوماس إليوت.
  • التأثر بأشعار جلال الدين الرومي، وعمر الخيام، وفريد العطار، وطاغور.
  • الانفتاح على الثقافات الشعبية (سيرة عنترة بن شداد، سيرة سيف بن ذي يزن، سيرة أبي زيد الهلالي، كتاب ألف ليلة وليلة...).
  • التعمق في القرآن الكريم، وفي الحديث النبوي الشريف.
  • التمعن في الشعر العربي القديم.
بكل ذلك غدا الشعر العربي الحديث وسيلة لاستكشاف الإنسان والعالم تعبر عن ثمار الرؤيا الحضارية الجديدة التي استقرت عند بعض الشعراء المحدثين الكبار، من أمثال السياب ونازك الملائكة والبياتي وصلاح عبد الصبور وخليل حاوي وأدونيس وغيرهم.

عوامل بروز تجربة الغربة والضياع:

ومن الموضوعات التي تسجل حضورها بكثرة في الشعر العربي الحديث، تجربة الغربة والضياع التي يرجع الدارسون عوامل بروزها إلى ثلاثة هي: 
  • التأثر بشعر توماس إليوت، خاصة في قصيدته (الأرض الخراب).
  • التأثر بأعمال بعض المسرحيين والروائيين الوجوديين أمثال: ألبير كامو، وجون بول سارتر، وبعض النقاد مثل: كولن ولسون، خاصة في دراسته عن اللامنتمي، وهي أعمال ترجمت إلى اللغة العربية وساعدت في تبني الشباب موجة من القلق والضجر انعكست في أشعارهم.
  • عامل المعرفة، باعتبار المعرفة سلاح الشاعر الحديث.

تأثير الواقع العربي:

إلا أن أحمد المجاطي لا يقر بكون هذه المصادر هي الوحيدة التي شكلت سبب نغمة الكآبة والضياع والتمزق، بل هو يرى أن هناك جذورا لهذه النغمة تتمثل في تربة الواقع العربي الذي حولته النكبة إلى خرائب وأطلال، ذلك أن النكبة في نظره أهم عامل في الدفع نحو آفاق الضياع والغربة بالشعر العربي الحديث، فليس الأمر مجرد نغمة سوداء استقدمها الشعراء بقدر ما هو مأساة حقيقية مصدرها هذا الواقع المنحل، وذلك التاريخ الملوث اللذين قدر على الشاعر العربي الحديث أن يحمل لعنتهما مما يؤكد أصالة هذه التجربة وضرورة البحث عن جذورها في الواقع، وتصوير أهم مظاهرها البارزة في القصيدة العربية الحديثة،
أحدث أقدم

نموذج الاتصال