رفض فكرة صراع الحضارات.. ضرورة تعرف الشعوب والحضارات على بعضها البعض على نحو أفضل للوصول إلى فهم مشترك واحترام متبادل وثقة متبادلة

إذا اتجهنا شطر أكبر دولة فى أوروبا، ونعنى بها ألمانيا، فإننا نجد اتجاهًا مماثلاً رافضًا تمامًا لفكرة صراع الحضارات، ومتبنيًا أسلوب الحوار الحضارى.
وقد ذهب الرئيس الألمانى (رومان هيرتسوج) خطوة أبعد فى هذا المجال بالدعوة إلى عقد مؤتمر فى العاصمة الألمانية برلين للحوار بين الحضارتين الإسلامية والغربية.
وقد وجه الدعوة إلى رؤساء خمس من الدول الإسلامية هى مصر والمغرب والأردن وأندونيسيا وماليزيا، ورؤساء خمس من الدول الأوروبية هى إيطاليا وإسبانيا والنمسا والنرويج وفنلندا، بالإضافة إلى ألمانيا الدولة المضيفة.
وتم اللقاء فى 23 أبريل 1999م على مستوى المراكز البحثية المتخصصة.
وقد اشترك فى المؤتمر أيضًا ممثلون لدول أخرى مثل إنجلترا وفرنسا وسويسرا والسويد ولبنان. وصدر عن المؤتمر (بيان برلين) الذى يمثل خطة للعمل المستقبلى.
وقد تضمن البيان العديد من التوصيات التى تدعم الحوار الحضارى بين الشرق والغرب، وتستشرف مستقبل العلاقات بين المجتمعات الإسلامية والغربية.
وبالإضافة إلى ذلك صدر فى شهر مايو 1999م- كتاب للرئيس الألمانى بعنوان (الحيلولة دون صدام الحضارات- استراتيجية السلام للقرن الحادى والعشرين).
وقد تضمن هذا الكتاب آراء الرئيس الألمانى التى أعلنها حول هذا الموضوع فى الفترة من 1995م حتى 1999م، كما تضمن أيضًا تعقيبات لأربعة من المفكرين المعروفين .
ويؤكد الرئيس الألمانى رفضه المطلق للزعم بأن الشرق والغرب يستعدان لمواجهة مزعومة بين الإسلام والمسيحية.
ويحذر من خطورة الترويج لمثل هذه الأفكار، ويؤكد على ضرورة التركيز على القواسم المشتركة بين الحضارات.
ويشير الرئيس الألمانى إلى ضرورة بناء جسور الثقة بين الجانبين لمواجهة تحديات المستقبل التى تعد تحديات لنا جميعًا، وتتطلب حلولاً دولية وتعاونًا مشتركًا بين الجميع، كما يدعو إلى ضرورة تعرف الشعوب والحضارات على بعضها البعض على نحو أفضل للوصول إلى فهم مشترك، واحترام متبادل وثقة متبادلة أيضًا.
ويرى أن الحوار بين الحضارات والأديان يُعد أهم الواجبات الملقاة على عصرنا.
وبصفة خاصة الحوار بين الإسلام والمسيحية.
ومن خلال هذه التوجهات الصادرة فى أوروبا من شخصيات لها وزنها يتضح لنا أن هناك تيارًا أوروبيًا قويًا رافضًا فكرة صدام الحضارات، وهو تيار أقوى كثيرًا من تيار صمويل هنتنجتون ومن يشايعه.
ولكن الشىء المؤسف أنه قد تم تسليط الضوء على نحو مريب على أفكار هنتنجتون السلبية، وتم تضخيمها إعلاميًا، وفى الوقت نفسه غابت عن الساحة الإعلامية تلك الأفكار الإيجابية والأصوات العاقلة التى ترفض صدام الحضارات وتتبنى حوار الحضارات.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال