الملكة.. صفة راسخة في النفس أو استعداد عقليّ خاصّ لتناول أعمال معينة بحذق ومهارة مثل الملكة العددية والملكة اللغوية

ارتبطت الملكة بمعنى الصنع، فيقال: فلان حَسَن المَلَكَة إذا كان حسن الصنع، يُحْسن معاملة خدمه وحشم.

وهي"صفة راسخة في النفس أو استعداد عقليّ خاصّ لتناول أعمال معينة بحذق ومهارة، مثل الملكة العددية، والملكة اللغوية".

وهي بهذا التعريف قد جمعت عددا من المفاهيم: (الملكة = الاستعداد = الكفاية = المعرفة) وهذه نفسها مقابلات للكفاية التي هي قدرة كما أن الملكة قدرة فطرية أو مكتسبة على أداء فعل ما، أو أعمال معينة بحذق ومهارة.

ويلتقي كذلك تعريف الكفاية بأنه قدرات شتى مع الملكة التي هي أيضا "قدرات شتى" فلا تكون ملكات إلا بقدر ما تستحوذ الاستطاعة الشخصية عليها وتقودها.

وتُعْرَف كذلك الكفاية بالأداء والإنجاز، وبهذا تلتقي مع الملكة التي هي "المبدأ القريب أو المباشر للعمليات الذهنية" وهو مبدأ (الأنا) -كما يذكر المحاسنة- الذي ينفذ العمليات.

فكما أن المبدأ القريب الذي ينجز بوساطة العمليات الفسيولوجية هو العضو؛ فإن المبدأ القريب الذي ينجز بوساطته العلميات الذهنية هو الملكة.

ومن هنا ربط محمد العبد الملكة اللسانية التي ذكرها ابن خلدون بالكفاية عند تشومسكي، ورأى أنها صالحة لتكون المقابل العربي لهذا المفهوم.

فما الملكة اللسانية عند ابن خلدون إلا المعرفة التي اكتسبها متكلم اللغة السليقي عن لغته كلاما وفهما؛ فالحروف والحركات والهيئات لم يتكلفها العرب؛ "إنما هي ملكة في ألسنتهم، يأخذها الآخر عن الأول".

وظهر هذا بقول ابن خلدون: إن "المتكلم من العرب حين كانت ملكته اللغة العربية موجودة فيهم، يسمع كلام آل جيله وأساليبهم في مخاطباتهم وكيفية تعبيرهم عن مقاصدهم، كما يسمع الصبي استعمال المفردات في معانيها، فيلقنها أولا، ثم يسمع التراكيب بعدها، فيلقنها كذلك، ثم لا يزال سماعهم لذلك يتجدد في كل لحظة ومن كل متكلم، واستعماله يتكرر، إلى أن يصير ذلك ملكة وصفة راسخة ويكون كأحدهم".

وتكتسب اللغة عنده بالطرق التالية:
1- السمع: وهو أبو الملكات اللسانية.

2- التعليم: ووجهه الحفظ من كلام العرب حتى يرتسم في خياله المنوال الذي نسجوا عليه تراكيبهم، فينسج هو عليه، ويتنزل بذلك منزلة من نشأ منهم وخالط عباراتهم في كلامهم حتى حصلت له الملكة المستقرة في العبارة عن المقاصد على نحو كلامهم.

3- وكثرة الحفظ تزيد صاحب الحفظ رسوخا وقوة.
ولا تحصل الملكة من حفظ كلام العرب إلا بعد فهمه.

4- الممارسة: فالملكة إنما تحصل بممارسة كلام العرب وتكرره على السمع والتفطن لخواص تركيبه.
ومن هنا نجد أن الملكة = القدرة = الكفاية.

ويلتقي عندها مفهوم الملكة اللغوية مع مبدأين أساسيين، هما: مبدأ العلم أو المعرفة، ومبدأ القدرة أو الاستطاعة، وبينهما من التفاعل مثل ما بين الإدراك والتعبير.

ولا غرو أن يكون الربط بين الكفاية والملكة، فالكفاية قدرة والملكة كذلك قدرة، ولا تقاسان إلا بالأداء والإنجاز، ولا تصلان إلى درجة الصفة الراسخة، الصفة الفطرية إلا بعد أن تستولي عليهما النفس وتستبد بهما.

وبهذا يلتقي مفهوم الكفاية مع مفهوم الملكة، ويلتقيان مع مفهوم القدرة والاستطاعة وارتباطهما بالأداء والإنجاز.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال