صراع الحضارات.. تبرير الصدامات العنيفة التى يشهدها العالم نتيجة لرفض أناس كثيرين لمنطق (الهيمنة والابتلاع) وليس لمنطق العولمة

الحضارة الغربية هى الحضارة الوحيدة غير الدينية، أو بتعبير أدق هى الحضارة الأولى الما بعد دينية.
وهي ليست نتاج ثورة أو طفرة نوعية، وإنما هى محصلة لتراكمات هائلة وسلسلة ممتدة، على طول امتداد التاريخ البشرى، من التحولات والحركات الثقافية والاجتماعية والمكتشفات العلمية والسياسية الكبرى.
فمنذ ثلاثة قرون، أو أكثر قليلاً، لم يكن هناك من يتحدث عن حضارة غربية، فالمصطلح الذى كان سائدًا آنذاك هو (العالم المسيحي) ومع عصر الاكتشافات الجغرافية والثورة الصناعية التى تلته، وانتشار أفكار عصر التنوير وصعود الطبقة التجارية البرجوازية، تغلغلت العلمانية بين قطاعات واسعة من السكان، وكفت أوروبا عن حروبها الدينية ولم تعد (العالم المسيحي)، ولم يظهر مصطلح (الحضارة الغربية) إلا فى أوائل القرن العشرين.
وهو مصطلح ينطوى ضمناً على الوعى بأن هذه الحضارة، على النقيض من الحضارات المهيمنة السابقة، لا تضع الدين فى مكانة محورية بالنسبة لها.
والمفارقة أنه فى الوقت الذي يروج فيه هنتنجتون وأتباعه لمفهومه التلفيقى عن (الحضارة الغربية) فإن النخبة الثقافية والسياسية لم تعد تنظر إلى أمريكا باعتبارها جزءًا من- أو حتى ناقلة لـ -الحضارة الغربية، بل ينظرون إليها باعتبارها مجتمعًا متميزًا يجسد التعددية الثقافية والعرقية، ثقافته محصلة تفاعل ثقافي بين الثقافات الأوروبية، والإفريقية، والإسلامية، والآسيوية، والسلافية.. إلخ.
وتضرب هذه الثقافات بجذورها فى الحضارات الإفريقية والأمريكية اللاتينية والكونفوشيوسية والإسلامية، وليس الأوروبية فقط.
وهكذا تبشر أمريكا بنموذجها الثقافى باعتباره النموذج الوحيد لعصر العولمة.
وبعد أن قادت العالم قسرًا إلى تحقيق التجانس الاقتصادى والتجارى والقانونى على الصعيد الكوني، فإنها تحاول تحقيق تجانس كونى مماثل على الصعيد الثقافي.
ونحن لا نرى فى أطروحة هنتنجتون حول صراع الحضارات سوى فكرة تعبوية ذات رائحة عنصرية لا تستند إلى أية حقائق علمية أو مبررات أخلاقية، هدفها فقط تبرير الصدامات العنيفة التي يشهدها العالم نتيجة لرفض أناس كثيرين لمنطق (الهيمنة والابتلاع) وليس لمنطق العولمة.
وإذا كان هنتنجتون يقصد بفكرته حول (صراع الحضارات) أن (الحضارة الغربية تواجه الحضارات الأخرى) فإن معناها الحقيقى هو (أمريكا فى مواجهة العالم).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال