نص السؤال:
هل يمكن إقامة العدل بمجرد تحقيق المساواة؟
المقدمة:
إذا كان العدل هو الاستقامة في الاستحقاق، وهو الاعتدال أي التوسط بين الإفراط والتفريط، فإن مسألة تحقيق العدل ترتبط ارتباطا وثيقا بفكرة المساواة مثلما ترتبط فكرة الظلم بإحداث التفاوت بين الناس وعليه فهل العدل يكمن في تحقيق المساواة واحترامها أم أن العدل يكمن في إقامة التفاوت بين الناس واحترامه؟
التحليل:
العدل يقوم على احترام التفاوت القائم بين الناس:
يذهب بعض الفلاسفة من أنصار التفاوت إلى أن العدل يكمن في احترام التفاوت القائم بين الناس، وأيضا في إقامته بينهم، لأن الناس يختلفون بالولادة في قدراتهم العقلية والجسمية (الذكاء والغباء، القوة والضعف) وليس من العدل أن نسوي بينهم بل العدل يكمن في التمييز بينهم.
وعلى هذا الأساس قام المجتمع اليوناني القديم حيث أن "أفلاطون": في جمهوريته الفاضلة يميز بين صنفين من الناس العبيد بقدرات عقلية محدودة وأوكل لهم العمل اليدوي والأسياد يملكون القدرات العقلية الهائلة أوكل إليهم العمل الفكري كالأشغال بالفلسفة.
كما نظر "أرسطو" بعده إلى التفاوت على أنه قانون الطبيعة ويجب احترامه.
ونجد هذا الموقف عند بعض المحدثين حيث يقول "ألكسيس كاريل Alexis Karel" (عالم فيزيولوجي وجراح فرنسي: "فبدلا من أن نحاول تحقيق المساواة بين اللامساواة الجسمية والعقلية يجب أن نوسع من دائرة الاختلافات وننشئ رجالا عظماء") وهكذا يكون التفاوت عدل بينما المساواة ظلم.
مناقشة:
حقيقة الناس مختلفون بالطبيعة والتفاوت بينهم أمر طبيعي ومقبول لكن البعض يتخذ من التفاوت الطبيعي ذريعة لإقامة التفاوت الاجتماعي المصطنع من قبل طبقات اجتماعية مسيطرة لذا ينبغي تحقيق المساواة بين الناس.
العدل يكمن في إقامة المساواة بين الناس واحترامها:
يذهب البعض الآخر من الفلاسفة وهم أنصار المساواة إلى أن العدل يكمن في تحقيق المساواة بين الناس ن التفاوت القائم بين الأفراد يعود في معظمه إلى تأثير المجتمع لا إلى تأثير الطبيعة.
فالطبيعة لم تخلق طبقة الأسياد وطبقة العبيد كل هذا من صنع المجتمع,
وقد وجدت هذه الفكرة لدى المجتمعات القديمة حيث قال أحد حطباء اليونان وهو شيشرون: "الناس سواء وليس شيئا أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان...".
وقال "عمر بن الخطاب": "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".
كما نجد هذا الموقف أكثر رواجا عند فلاسفة العصر الحديث ومنهم "برودون" (فيلسوف وعالم اجتماعي فرنسي 1809-1865) الذي يقول: "إن العدل يكمن في احترام الكرامة الإنسانية".
بينما يدعو "كانط" في كتابة مشروع السلام الدائم إلى نظام دولي جديد ترتكز فيع العلاقات على الديمقراطية والمساواة والعدل وهكذا فإن الاعتماد على التفاوت في تحقيق العدل فيه ظلم للناس.
مناقشة: حقيقة العدل بهذا المعنى أقرب إلى المساواة منه إلى التفاوت ولكن لا يمكن اعتبار كل مساواة عدل ولا يمكن أن نسوي بين الناس في كل شيء لأن المساواة المطلقة فيها ظلم لبعض الناس.
العدل يكمن في تحقيق المساواة مع احترام التفاوت الطبيعي:
لا يمكن اعتبار كل مساواة عدل كما لا يمكن اعتبار كل تفاوت ظلم فإن المساواة التي يأمل فيها الإنسان لا تتنافى والتفاوت الصادر عن الطبيعة.
فالعادل من الناس هو المستقيم الذي يسوي بين الناس أمام القانون ويحترم حقوقهم دون تدخل الاعتبارات الشخصية ولا يظلم في حكمه أحد وهكذا سوف تظهر الكثير من الصفات النبيلة كالكفاية والاستحقاق وتختفي الكثير من الصفات الرذيلة كالتمييز العنصري.
الخاتمة: لا يمكن تحقيق المساواة المطلقة بين الناس لأنهم متفاوتون في القدرات الجسمية والعقلية ولا يمكن محو ظاهرة التفاوت من حياة الناس لأنها طبيعة فيهم، وعليه فالعدل يكمن في تحقيق المساواة بين الناس أمام القانون.
التسميات
فلسفة