إفشاء السر والمسؤولية الطبية الأدبية.. المعلومات التي يطلع عليها الطبيب في سياق العلاقة المهنية بينه وبين المريض تعتبر سرية إلى أبعد الحدود الممكنة

إن طبيعة العلاقة بين الطبيب والمريض تتيح للأول الإطلاع على خصوصيات وأسرار مريضه التي لا يبوح بها الأخير إلا مضطراً، وسواء أكان السر متعلقاً بنفس المرض أم بخصوصيات أخرى اطلع عليها الطبيب بحكم المهنة، فإن هذا السر أمانة لا يحل له البوح بها بدون إذن أو ضرورة.
فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا حدَّث الرجل الحديثَ ثم التفت فهي أمانة"[1].
ولقد نصت لوائح أخلاقيات الطب للرابطة الطبية الأمريكية على ما يلي: "إن المعلومات التي يطلع عليها الطبيب في سياق العلاقة المهنية بينه وبين المريض تعتبر سرية إلى أبعد الحدود الممكنة"[2].
وتنص أيضاً على أنه: "لا يجوز للطبيب أن يبوح بالمعلومات السرية بدون إذن المريض ما لم يكن مطالباً بذلك بحكم القانون"[3].
فهنا نجد توافقاً تاماً بين النظرة الشرعية وبين النظرة المعاصرة في عرف المهنة تجاه السر المهني، بل إن هذه الاستثناءات الواردة في اللوائح المشار إليها معتبرة شرعاً، أما من جهة إذن المريض فبلا إشكال، وأما من جهة حكم القانون فإن القاعدة في الشريعة :"يحتمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام"[4].
فإفشاء سر المريض ضررٌ خاص، ولكنه يحتمل إذا تعلقت به مصلحة عامة أكبر كأن يكون مصاباً بمرض وبائي خطير، وعندها لا يكون الطبيب مؤاخذاً بإفشاء السر بل يؤاخذ بعدمه.
ولكن يراعى هنا أن يكون الإفشاء بالقدر اللازم لتحقيق المصلحة ولا يتجاوز ذلك، لأن ما أبيح لضرورة بقدر بقدرها.
والحاصل أن الطبيب إذا أفشى السر بدون مبرر وترتب على ذلك ضرر بالمريض – ولو كان ضرراً معنوياً – وثبت ذلك كان موجباً للمسؤولية الطبية.
 [1] سنن الترمذي – حديث (1959) وقال الترمذي: هذا حديث حسن
[2] Code of Medical Ethics, American Medical Association , E-5.05 Confidentiality 
[3] السابق
[4] مجلة الأحكام العدلية – المادة 26
أحدث أقدم

نموذج الاتصال