العلوم الطبية المستجدة هي ما تتفتق عنه البحوث العلمية الطبية يومياً من كشف أو نظرية أو علاج جديد ونحوه، وهذه هي التي يصعب ضبطها، ولا بد للطبيب من مراعاة أمرين اثنين في هذه العلوم حتى يخرج من العهدة فيها، وهذان الأمران هما أن تصدر هذه العلوم عن جهة علمية معتبرة، أن يشهد لها أهل الخبرة بالصلاح للتطبيق والممارسة. فإذا اجتمع هذان الوصفان لزم الطبيب أمرٌ ثالث من جهته هو ألا وهو تأهله لتطبيق هذه العلوم المستجدة، كأن تكون تقنة جراحية جديدة فلا يبادر إلى تطبيقها دون إشراف أو حضور دورة تدريبية تؤهله للقيام بها، وهذا كله مقرر عند أهل الطب. فإذا راعى الطبيب هذه الأمور، وكان العمل الذي يمارسه معتبراً عند أهل الفن وكان هو مؤهلاً له والتزم بالأصول المتبعة فيه فقد خرج من العهدة.
ولقد نصت لوائح الأخلاقيات الطبية للرابطة الطبية الأمريكية على ما يلي:" إن من العمل اللاأخلاقي قيام الطبيب بتقديم علاج غير علمي أو خطير والمساعدة على ذلك وإيهام المريض بجدواه مع ما يترتب على ذلك من تأخير التدخل العلاجي المعتبر"، كما تؤكد هذه اللوائح على اجتناب الممارسات الطبية غير المجدية والالتزام بالممارسات الطبية العلمية المعتبرة، فالعمل بهذه الممارسات غير العلمية يعتبر خارجاً عن أصول المهنة، وهذا الذي ذكرناه قد قرره الفقهاء في شروط الممارسة الطبية، فقال الإمام ابن قدامة رحمه الله :" ولا ضمان على حجَّام ولا ختَّان ولا متطبب إذا عُرف منهم حذق الصنعة ولم تجنِ أيديهم"، فهذا الذي ذكره رحمه الله يتضمن الجانب العلمي النظري (والذي عبر عنه بحذق الصنعة) والجانب التطبيقي العملي (وعبر عنه بقوله لم تجنِ أيديهم)، فتبين لنا أن خلاصة الأمر في ثبوت موجب المسؤولية هنا يتعلق بأحد الأمرين التاليين أو بهما معاً:
1- مخالفة الأصل العلمي المعتبر.
2- مخالفة التطبيق العملي المعتبر.
وضابط هذين الأمرين في واقعنا المعاصر ما يطلق عليه (معيار الممارسة الطبية) ويسمى بالأجنبية "Standard of care"، ويعرفه البعض بأنه:" الإجراء التشخيصي أو العلاجي الذي يتوجب على الطبيب اتباعه في حالة مريض أو مرض أو ظرف سريري معين"، ومن جهة قانونية هو:"مستوى الممارسة الوسط الذي يتبعه الطبيب عادة في مجتمع معين"، وهذا التعريف يعود إلى ما قررناه سابقاً من تحكيم "العرف الخاص". كما برز مؤخراً مفهوم "الطب المسند بالدليل" ويسمى بالأجنبية "evidence based medicine"، وهو مبني على أبحاث موثقة أجريت في مراكز متعددة وفق منهج يزيد مصداقية التجارب السريرية.
أما إذا التزم الطبيب بأصول المهنة العلمية والعملية وترتب على علاجه سراية ضررٍ ما فإنه لا يتحمله، لأنه قام بفعل مأذونٍ به شرعاً ولم يتعد كما نص عليه ابن قدامة وغيره من الفقهاء، وذكر ابن قيم الجوزية قاعدة بديعة في هذا الباب حيث قال:" سراية الجناية مضمونة بالاتفاق، وسراية الواجب مهدرة بالاتفاق".
التسميات
مسؤولية طبية