حزب الله يغتال وسام عيد بعد كشف تورط عماد مغنية ونصر الله والنظام السوري في عملية اغتيال الشهيد رفيق الحريري

يقول تقرير لمجلة دير شبيغل أن المحكمة الدولية تتحفّظ على معلومات تتّهم أمين عام حزب الله حسن نصرالله، والذراع العملياتي للحزب الذي كان يرأسه "عماد مغنية" باغتيال الحريري. كما يسمّى تقرير "دير شبيغل" خلفَ عماد مغنية على رأس الوحدة وهو "الحاج سليم"، وواحداً من أعضائها المدعو "عبد المجيد غملوش". ويكشف أن الفضل يعود للضابط اللبناني"وسام عيد" في كشف خيوط القضية، وأن ذلك سبب إغتياله. ولكن تقرير "دير شبيغل" يبرّئ الرئيس بشّار الأسد شخصياً دون أن يعرض الأدلة التي تثبت براءته، ولو أنه لا يبرّئ الحكومة السورية نفسها.
ومن جهة أخرى، فليست هذه أول مرّة يُطرح فيها إحتمال مشاركة حزب الله في إغتيال الرئيس الحريري. فقد سبق أن وردت مثل هذه الفرضية في مقال، بعنوان "ظل حزب الله في عملية إغتيال الحريري" نشره المراسل الفرنسي "جورج مالبرونو" (الرهينة السابق في العراق) في "الفيغارو" في أغسطس 2006، ونشر "الشفّاف" ترجمة له في حينه.
 أبدت أوساط عربية مطّلعة، في باريس، حذراً شديداً إزا المعلومات التي نشرها الصحفي الفرنسي جورج مالبرونو اليوم في جريدة "الفيغارو" حول وجود خيط جديد يوصل إلى "حزب الله" في التحقيقات بقضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري.. وتساءلت هذه الأوساط عن مغزى "توقيت" نشر المعلومات الآن، كما أبدت شكّها في أن يكون مصدر المعلومات هو "أحد المقرّبين من سعد الحريري"! وحسب هذه الأوساط، فإن الحديث عن صلة لحزب الله بقضية إغتيال الحريري.. يعني "تضييع" التحقيقات التي أحرزت تقدّماً، ودفعها باتجاه جديد ليس معروفاً إذا كان سيسفر عن نتائج فعلية. كما أن هذا "الخيط الجديد"، الذي يربط حزب الله بالإغتيال، يمكن أن يخدم النظام السوري الذي كان المتّهم الوحيد حتى الآن! "وإذا كان النظام السوري يخشى أن يجرفه الطوفان، فهو لا يمانع في توجيه الإتهام لأي طرف آخر".)
مع ذلك، يبقى تعليقنا المباشر على معلومات "دير شبيغل" أنه قد يكون "سهلا" إتهام "عماد مغنية" بعد مقتله. ومن المؤكّد أننا سنسمع، آجلاً أم عاجلاً (والواقع أننا سمعنا تكهّنات بذلك منذ أشهر) بأن "تصفية" عماد مغنية في دمشق كانت تمهيداً لاتهامه بعملية الحريري وبالتالي تبرئة النظام السوري. ثم أن تقرير "دير شبيغل" يقول أنه "بالكاد توجد أدلة" ضد الرئيس بشّار الأسد. ولكن الرئيس الحريري نفسه روى لكثيرين تهديدات القتل التي سمعها من بشّار الأسد ومن ضباطه! ومجدّداً، فلا بدّ أن نسمع في الأيام المقبلة تساؤلات حول ما إذا كانت هنالك "صفقة" لتبرئة النظام السوري، أو رأس النظام على الأقل!
سؤال أخير: هل هنالك علاقة بين المعلومات التي تقول "دير شبيغل" أن المحكمة تملكها وتتكتم عليها والسقوط السريع والمدهش لعشرات العملاء الإسرائيليين في لبنان في الشهر الحالي؟ وهل استخدمت تقنيات متابعة الإتصالات نفسها لكشف الشبكات الإسرائيلية؟
ما يلي ترجمة المقاطع الرئيسية في مقال "دير شبيغل""
كتبه Erich Follath:
توصّلت المحكمة الدولية الخاصة للتحقيق في اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق "رفيق الحريري" إلى خلاصات جديدة مدهشة—وقد فرضت السرّية على تلك الخلاصات. ووفقاً لمعلومات حصلت عليها "دير شبيغل"، فإن المحققين باتوا يعتقدون أن "حزب الله" هو المسؤول عن إغتيال الحريري.
تتوفّر الآن بوادر تفيد أن التحقيق قد أعطى نتائج جديدة وخطيرة. فقد علمت "دير شبيغل" من مصادر مقرّبة من المحكمة، وتحقّقت عبر دراسة وثائق داخلية، أن قضية الحريري ستأخذ الآن منحى مثيراً. فالتحقيقات المكثّفة في لبنان تشير جميعها إلى خلاصة جديدة: وهي أن الذين خطّطوا للهجوم الشيطاني ونفّذوه لم يكونوا السوريين بل القوات الخاصة التابعة لـ"حزب الله" الشيعي اللبناني. ولكن، يبدو أن رئيس المحكمة، "بيلمار"، والقضاة الآخرون في المحكمة، يريدون إخفاء هذه المعلومة، التي اطّلعوا عليها منذ حوالي الشهر. فما الذي يخشاه القضاة ؟
حسب المعلومات المفصّلة التي سردها مصدر "دير شبيغل"، فإن "كشف" القضية نجم عن مزيج من الموهبة البوليسية، على غرار روايات شرلوك هولمز، ومن إستفادة المفتّشين من أحدث تكنولوجيات الإتصالات. فبفضل أشهر من العمل الدؤوب، توصّلت وحدة خاصة من قوى الأمن الداخلي اللبنانية، كان يرأسها الكابتن "وسام عيد"، إلى فرز أرقام الهواتف النقّالة التي يمكن أن تشير إلى المنطقة التي كانت تحيط بالحريري في الأيام التي سبقت إغتياله، وفي يوم الإغتيال بالذات. وأطلق المحققون اللبنانيون على مجموعة الهواتف النقّالة هذه تسمية "دائرة الجحيم الأولى".

وفي مرحلة لاحقة، قام فريق "وسام عيد" بتحديد 8 أرقام هاتف نقّالة، كان قد تمّ شراؤها جميعاً في اليوم نفسه في مدينة طرابلس بشمال لبنان. وقد بدأ تشغيل تلك الهواتف قبل 6 أسابيع من عملية الإغتيال، واقتصر استخدامها على الإتصالات في ما بينها فقط- باستثناء حالة وحيدة- ثم توّقف استخدامها كلياً بعد الإغتيال. ويبدو أن تلك الهواتف كانت بين الأدوات التي استخدمها فريق القتلة لتنفيذ الهجوم الإرهابي على موكب الحريري.
ولكن، كانت ثمة "دائرة جحيم ثانية"، هي عبارة عن شبكة من حوالي 20 هاتف نقّال تم تعيينها لأنها كانت، غالباً، بجوار الهواتف الثمانية الأولى. وحسب قوى الأمن الداخلي اللبنانية، فإن جميع الأرقام المعنية تعود إلى "الذراع العملياتي" لحزب الله، علماً أن الحزب المذكور هو ميليشيا لبنانية أقوى من الجيش النظامي. وفي حين يتصرف قسم من "حزب الله" كتنظيم سياسي عاي، ويشارك في الإنتخابات الديمقراطية وله وزراء في الحكومة، فإن القسم الآخر يستخدم تكتيكات غير مستساغة مثل عمليات الخطف قرب الحدود الإسرائيلية، وعمليات إرهابية على غرار العمليات التي تعرّضت لها مرافق يهودية في أميركا الجنوبية في العامين 2002 و2004.

لقد تطابقت أماكن تواجد حاملي مجموعتي الهواتف البيروتيتين مراراً ومراراً، بل وتم تعيين تواجدهم قرب موقع الهجوم أحياناً. وسمحت علاقة عاطفية كان أحد الإرهابيين يقيمها للمفتّشين بتعيين هويّة أحد المشبوهين الرئيسيين. فقد ارتكب هذا الإرهابي خطأً لا يصدّق حينما اتصل بصديقته من أحد الهواتف "الساخنة". وقد اتصل بها مرّة واحدة فحسب، ولكن ذلك الإتصال الوحيد كان كافياً لتحديد هويّته. ويُعتقد أن إسمه هو "عبد المجيد غملوش"، من بلدة "رومين"، وأنه عضو في "حزب الله" كان قد أتمّ دورة تدريب في إيران. كما تم التحقّق من أن "غملوش" هو الذي اشترى الهواتف النقّالة. وقد اختفى منذ تلك الحادثة، وقد لا يكون على قيد الحياة الآن.
معلومات قد يسيء الكشف عنها إلى "حزب الله"
الحماقة التي ارتكبها "غملوش" سمحت للمحققين بكشف الشخص الذي يعتقدون الآن أنه كان العقل المخطط للهجوم الإرهابي: "الحاج سليم"، 45 سنة، وهو من بلدة "النبطية" التي تقع في جنوب لبنان. ويُعتَقَد أن "الحاج سليم" هو قائد الجناح "العسكري" لحزب الله وأنه يعيش في ضاحية بيروت الجنوبية. وتتبع "وحدة العمليات الخاصة" التي يقودها "الحاج سليم" للأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله (48 سنة) مباشرةً.
وكان عماد مغنية، الذي كان أحد أشهر الإرهابيين المطلوبين في العام، يرأس تلك "الوحدة" حتى تاريخ إغتياله في دمشق في 12 فبراير 2008، ربما من جانب الإستخبارات الإسرائيلية. ومنذ ذلك التاريخ، تسلّم "الحاج سليم" واجبات سلفه الشهير، في حين أصبح إبن شقيقة عماد مغنية، المدعو "مصطفى بدر الدين"، نائباً له. ويرفع الرجلان تقاريرهما لرئيسهما فحسب، وكذلك للجنرال "قاسم سليماني" في طهران. وقد ضرب الإيرانيون، وهم المموّلون الرئيسيون للجناح العسكري لحزب الله، النفوذ السوري فيه.
وبقدر ما تعمّق المحققون اللبنانيون في القضية، بقدر ما باتت الصورة أكثر وضوحاً بالنسبة لهم، حسب المصدر الذي تحدّثت معه "دير شبيغل". ويبدو أنهم حدّدوا هوية عضو حزب الله الذي اشترى شاحنة "ميتسوبيشي" الصغيرة التي تم استخدامها في الهجوم. كما نجحوا في معرفة أصول المتفجرات التي استخدمها في الإغتيال، وهو أكثر من 1000 كيلوغرام من "تي إن تي"، و"سي 4"، والـ"هكسوجين".
إن المحقق اللبناني الرئيسي والبطل الحقيقي لهذه الرواية لم يعِش ليشهد النجاحات التي حقّقتها التحقيقات قريباً. فقد قُتِل الكابتن عيد (31 سنة) في هجوم إرهابي وقع في ضاحية "الحازمية" قرب بيروت في 25 يناير 2008. ويبدو أن المقصود من ذلك الهجوم، الذي قُتِلَ فيه 3 أشخاص آخرون، كان إبطاء التحقيقات. ومرة أخرى، توفّرت أدلة على أن وحدة الكوماندوس التابعة لحزب الله كانت متورّطة في الإغتيال الجديد، تماماً كما ثبت تورّطها في ما يزيد على 12 عملية إغتيال تعرّض لها لبنانيون بارزون خلال السنوات الأربع الماضية.
يبقى بلا جواب السؤال عن الدافع إلى الجريمة. كثيرون كانوا يملكون مصلحة في مقتل الحريري. فلماذا يكون حزب الله- أو من يدعمونه في إيران- هو الذي يتحمّل مسؤولية الإغتيال؟
لقد كانت شعبية الحريري المتزايدة شوكة في خصر حسن نصرالله. ففي العام 2005، بدأ البليونير (الحريري) بالتفوّق على الزعيم الثوري لجهة شعبيته. وعدا ذلك، فإنه كان يمثّل كل ما يحقد عليه نصرالله المتعصّب والمتقشّف: العلاقات الوثيقة مع الغرب، والمركز المرموق بين الزعماء العرب المعتدلين، ونمط حياة باذخاً، والإنتماء إلى المذهب "السنّي". أي أن الحريري كان، بمعنى من المعاني، بديلاً لنصرالله.
إن من المشكوك فيه أن يكون الوضع في لبنان قد سار في المنحى الذي يبدو أن نصرالله قد تصوّره. فمباشرة بعد الهجوم الإرهابي الذي أدى لمقتل الحريري، اجتاحت البلاد موجة تعاطف مع السياسي المقتول. وأدت "ثورة الأرز" إلى تشكيل حكومة مؤيدة للغرب، وبرز إبن الحريري كأهم زعيم حزبي وكأقوى شخصية مؤثرة في البلاد. إن سعد الحريري (39 سنة) كان يمكن أن يصبح رئيساً للحكومة منذ مدة طويلة- لو كان راغباً بتحمّل المخاطر ولو كان يشعر أنه مؤهل بما فيه الكفاية لتولّى المنصب. وبعد اغتيال رفيق الحريري، انسحبت قوات الإحتلال السورية من لبنان إستجابة للضغوط الدولية والمحلية.
الأرجح أن كشف المعلومات الجديدة حول عملية إغتيال الحريري قد يؤذي حزب الله. إن قسماً كبيراً من اللبنانيين قد سأم النزاعات الداخلية وهو يتوق إلى المصالحة. والأرجح أن زعيم حزب الله الذي يظل على قائمة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة رغم اعترافه بقواعد اللعبة الديمقراطية، يتوقّع المشكلات الجديدة التي سيواجهها مع المحكمة الدولية. ففي خطاب ألقاه في بيروت، تحدّث نصرالله عن "النوايا التآمرية" للمحكمة الدولية.
لكن كشف المعلومات قد لا يكون موضع ترحيب كذلك في طهران التي ستواجه مجدّداً تهمة تصدير الإرهاب. أما موقف دمشق من المعلومات الجديدة فقد يكون ملتبساً. فمع أن المعلومات الجديدة لا تبرّئ حكومة سوريا من الشكوك بتورّطها في الإغتيال، فإن الرئيس الأسد نفسه لم يَعُد في قائمة المتهمين. فبالكاد تتوفّر الآن أدلة على أنه، هو شخصياً، كان مطلعاً على المؤامرة أو بأنه هو الذي أعطى أمر الإغتيال.
يمكن للمرء أن يتكهّن حول الأسباب التي تدفع محكمة الحريري للتكتّم على معلوماتها حول الإغتيال. وربما يخشى المحققون في هولندا أن كشف المعلومات يمكن أن يتسبب باضطراب الأوضاع في لبنان. ومساء يوم الجمعة (أمس)، ردّ المكتب الصحفي للمحكمة باقتضاب على سؤال وجّهته له "دير شبيغل" قائلاً أنه لا يستطيع أن يعلّق على "تفاصيل عملياتية".
أما المحقّق الدولي السابق الألماني ديتليف ميليس (60 عاماً)، فقد يشعر بالإنزعاج لأسباب أخرى. فقد أجرى تحقيقاته على أفضل ما يمكن له، واستجوب أكثر من 500 شاهد، ولكنه قد يضطر الآن لمواجهة الإتهام بأنه ركّز أكثر مما ينبغي على الخيوط التي كانت تؤدي لاتهام السوريين. في أي حال، لقد كان قرار المحكمة الدولية بإطلاق سراح الجنرالات الأربعة الذين كانوا اعتقلوا بناءً على طلبه ضربة للمحقق الألماني.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال