نشأة التأمين وتطوره.. فقدان التامين التطوعي وتعاظم دور التأمين نظراً لأن الحياة المعاصر مليئة بالأخطار

إن الإنسان منذ أن أخرجته معصيته من الأمن الدائم والنعيم المقيم وهبطتبه إلى دنيا التدافع والتنافر والتضاد والمغالبة والمكابدة، وهو يبحث عن ما يمكنه من السيطرة على الأشياء المسخرة له بسننها، ويؤمنه من مجاهل الطبيعة، ويوفر له القوت الذى يقيم به صلبه، ويقيه من الأخطار التى تهدده فى نفسه وماله.

فعندما كان يؤذيه حر المصيف وبرد الشتاء أمن نفسه بلباس يقيه شرهما، وعندما هدده خطر الدواب والهوام هجر افتراش الأرض والالتحاف بالسماء واتخذ بيتاً يؤمنه من ذلك، وعندما هدده خطر عدوان أقرانه دفع ذلك بذويه وكون الأسرة والعشيرة والقبيلة.

  وكان نظام الأسرة هو أول نظام للتأمين حقق ولا زال يحقق الآمان لأفراده ويبث فيهم الطمأنينة. حيث يتعاون أفرادها جميعاً فيما بينهم على تأمين كل منهم من الخطر الذى من المحتمل أن يتعرض له، سواء أكان فى شكل مرض أم كان فى صورة عجز عن العمل.

بل الأكثر من ذلك فإن التعاون يمتد، فى نطاق الأسرة إلى تحقيق منفعة كالمساهمة فى تكاليف الزواج والمساعدة فى توفير مستلزمات الحياة المعيشية، ولا يقف فقط عند دفع مفسدة المرض والعجز والشيخوخة.

والتأمين، فى شكل التكافل الاجتماعى، كان الركن الثالث (الزكاة) من خمسة أركان للإسلام، وكانت الصدقة من أهم وسائل التقرب إلى الله تعالى على نحو يحقق الخير العام للمجتمع بجلب المنافع لهم ودفع المفاسد عنهم.

غير أن الإنسان ما لبث أن غرق فى المادية وسيطرة عليه روح إيثار الذات فتقلصت بعض المبادئ السامية وضاق نطاق الأسرة.فبعد أن كانت تقوم على رابطة الدم أضحت تقوم على أساس الزوجية (الزوج والزوجة والأولاد). بالإضافة إلى تعرض الإنسان إلى مخاطر لم يكن يتعرض إليها قبل ذلك ولا سيما بعد استخدام الآلات فى الصـناعة.

بيد أنه عندما وجد الإنسان نفسه عرضة للمخاطر مع فقدان التامين التطوعى، أداءً لفرض أو تقرباً بصدقة أو تعاوناً لذى قربى  فبدأ يبحث عن وسيلة توفر له نوعاً من الطمأنينة ضد هذه المخاطـر.

فعندما انتشرت التجارة البحرية وكانت تتعرض إلى مخاطر القرصنة بالإضافة إلى المخاطر الطبيعية، بدأ التفكير فى التامين البحرى (ق. 14 م).

وعندما شب حريق فى لندن فى عام 1666م نتج عنه تدمير عدة آلاف من المنازل ونحو مائة كنيسة، ظهر التأمين من الحريق.

وبتعاظم رؤوس الأموال فى أوربا (ق. 18 م)، على أثر نهب الدول الاستعمارية لثروات دول العالم الثالث، وتدخل الآلات الميكانيكية فى الصناعة، ظهرت أنواع أخرى من التأمين من أهمها التأمين من المسئولية.

وبازدياد نسبة حوادث العمل، وتجمع العمال فى شكل نقابات شكلت قوى ضغط داخل المجتمعات، أدى ذلك إلى ظهور التأمين من حوادث العمل والأمراض المهنية.

أما التأمين على الحياة فقد تأخر فى الظهور إلى القرن التاسع عشر نظراً لتعرضه لهجوم أكثر من غيره منأنواع التأمين الأخرى.

وخلال القرن العشرين تعاظم دور التأمين نظراً لأن الحياة المعاصر مليئة بالأخطار، سواء أكانت ناتجة عن الآلات الميكانيكية والأجهزة الكهربائية أم كانت فى صورة تلوث للبيئة، فكل هذا أدى إلى ظهور أنواع أخرى من التأمين من حوادث النقل الجوى والتأمين حوادث الطاقة النووية...الخ.

وظهرت – كذلك – صور متنوعة من التأمينات الاجتماعية التى تقوم بها المؤسسات والهيئات العامة.

والحقيقة التى لا ينكرها إلا مكابر أن التأمين بات له أهمية قصوى فى الحياة المعاصرة وأمسى له دور بالغ الأهمية فى الأنشطة الاقتصادية فتوفير الأمان يؤدى تشجيع الاستثمار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال