الحرية الإعلامية والصدق في نسبة المادة الإعلامية أو الخبر إلى مصدره.. الاهتمام بصحة المضمون والابتعاد عن التلفيق

الصدق في نسبة المادة الإعلامية أو الخبر إلى مصدره، حيث إنّ في انتفاء ذلك تضليلاً وكذباً، أو هضماً لحق الآخرين في عدم نسبة ما ورد عنهم إليهم. وقد هدد الله عز وجل أهل الكتاب وتوعدهم على هذا العمل.

قال تعالى: "فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ*" ([1]).

فقد ألف أحبار اليهود وعلماؤهم كلاماً وكتبوه في قراطيس وضمنوها أهواءهم وافتراءاتهم على الله ثم نسبوا ذلك إلى الله عز وجل ليلقى قبولاً عند الناس([2])، وهذا افتراء وظلم وقد ارتكبوا في هذه الحالة جريمتي الكذب على الناس والتقول على الله.

وكذلك الإعلامي حين يجمع مادة إعلامية أو يختلقها من محض خياله ثم ينسبها إلى عالم أو مسؤول فقد وقع في المحظور وأساء إلى من نسب الخبر إليه واستخف بالجمهور الذي منحه الثقة وكذلك إن جمع مادته الإعلامية من مصدر ما، ثم نسبها إلى نفسه ففي هذا أيضاً ظلم واعتداء على حقوق الآخرين.

قال الرازي رحمه الله: "ومن المعلوم أن الكذب على الغير بما يضر يعظم إثمه فكيف بمن ضم إلى ذلك حب الدنيا والاحتيال في تحصيلها"([3]).

والوعيد واقع عليهم لسببين:
- الأول: كتابتهم الكتاب بقصد الإضلال.
- الثاني: نسبته إلى الله عز وجل على سبيل الكذب([4]).
وقد هددتهم الآية بالعذاب الشديد بسبب جرائمهم وتحريفهم وكذبهم وما يكسبونه من مال بالحرام([5]).

وبالرجوع إلى أسباب نزول هذه الآية فإننا نجد أن اليهود الذين توعدهم الله في هذه الآية قد كذبوا في مضمون ما كتبوه من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم أو من تحليل حرام أو تحريم حلال ولم يكفهم هذا التزوير بل نسبوه إلى الله([6]).

وهذه الآية وإن كانت خاصة بأهل الكتاب وما حرفوه في التوراة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
أما في نسبة النصوص أو الحقوق الفكرية إلى غير أهلها أو تبديل الشهادة أو الكذب في نقل المعلومة بين البشر، فقال تعالى: في الوصية "فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ*" ([7])، وذلك في التحذير من تغييرالشهادة في الوصية على غير ما أوصى بها صاحبها وأن ذلك إثم يجب الحذر من الوقوع فيه.

لذلك وجب على الإعلامي أن يكون ما جمعه صحيح المضمون صحيح النسبة بعيداً عن التلفيق حتى تثبت مصداقيته ولا يخطئ في حق الآخرين ولا في حق نفسه، امتثالاً لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ"([8]).

([1]) سورة البقرة، الآية 79.
([2]) الألوسي، روح المعاني، ج1 ص410
([3]) فخر الدين الرازي، التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي، لبنان، ط2، 1998م، ج 1 ص565.
([4]) عمر بن عادل الحنبلي، اللباب في علوم الكتاب، دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، 1998م، ج2 ص210.
([5]) الطبري، جامع البيان، ج1 ص305.
([6]) الألوسي، روح المعاني، ج1 ص210.
([7]) سورة البقرة، الآية 181.
([8]) سورة التوبة، الآية 119.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال