يجب أن يصل الإعلامي إلى درجة الإطمئنان في صحة ما جمعه وواقعيته حتى يستطيع أن يوجه المادة الإعلامية المراد نشرها وهو في كامل قناعته بصحتها لينقل قناعته إلى الآخرين ويدافع عن مادته الإعلامية بكل ما أوتي من إمكانات استناداً إلى قناعته التي حصَّلها أثناء الجمع وبعده، وهذه الطمأنينة التي نتحدث عنها هي التي أراد إبراهيم عليه السلام الوصول إليها رغم إيمانه بتلك القضية.
يقول تعالى: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"([1]).
قال القرطبي: "لم يكن إبراهيم عليه السلام شاكاً في إحياء الله للموتى قط وإنما طلب المعاينة وذلك لأن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به"، وقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير والربيع: سأل ليزداد يقيناً إلى يقينه([2]).
فإذا كان المصدر الذي يستقي إبراهيم عليه السلام منه العلم هو الوحي وقد آمن بحقيقة البعث وصدق بها ومع ذلك طلب من ربه مزيداً من التوضيح ليصل إلى هذه المرحلة حيث إنَّ وصوله إلى مرحلة الطمأنينة من هذه الحقيقة يجعله أكثر إصراراً وثباتاً في نشر هذه الحقيقة ودعوة الناس إليها.
فكيف بالإعلامي حين يكون مصدره بشراً قد يصدقون وقد يكذبون، لذلك وجب عليه التحقق من صحة ما توصل إليه من أخبار، والتأكد من حقيقتها حتى يطمئن إلى مصداقيتها قبل أن يباشر في نشرها، لأن المادة الإعلامية حين تنشر وهي مجانبة للحقيقة لا يخلو الأمر من ضرر أو أذى يلحق بأحد ما، إما المصدر أو الجمهور المتلقي أو الوسيلة الإعلامية.
لذلك يتوجب على الإعلامي أن يصل إلى مرحلة الاطمئنان والثقة بالمعلومة التي بين يديه قبل أن يوجهها إلى جمهوره، كما يتضح ذلك في قوله تعالى: "فَمَكَثَ غَيرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَم تُحِط بِهِ وَجِئتُكَ مِن سَبَإ بِنَبإٍ يَقينٍ"([3]).
([1]) سورة البقرة، الآية 260.
([2]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج3 ص297- 298.
([3]) سورة النمل، الآية 22.
التسميات
حرية إعلامية