الحرية الإعلامية وعدم استخدام وسائل غير مشروعة كسوء الظن والتجسس والغيبة

عدم استخدام وسائل غير مشروعة كسوء الظن والتجسس والغيبة.
وقد نهى القرآن عن إتيان أحد هذه الأفعال، فهي إذاً محرمة حتى ولو استخدمت كوسيلة لجمع مادة إعلامية ففي ذلك تجاوز لحريات الآخرين إما بإساءة الظن أو بالتجسس عليهم ومصادرة حرياتهم الخاصة أو بالغيبة ونشر الأحقاد بين الناس. لذلك نهى القرآن عن مثل هذه المسالك واستخدام مثل هذه الأساليب.
يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحيمْ*" ([1]).
وقد تقدم الحديث عن سوء الظن أما التجسس فهو أسلوب نهى الله عنه ومقته رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي معنى الآية قال الطبري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنه : أي "لا يتتبع بعضكم عورة بعض ، ولا يبحث عن سرائره يبتغي بذلك الظهور على عيوبه ، ولكن إقنعوا بما ظهر لكم من أمره وحاكموه على أساسه ولا تبحثوا عن سرائره ، وعن مجاهد قال : خذوا ما ظهر لكم ودعوا ما ستر الله، والغيبة هي أن تقول في ظهر أخيك ما يكره"([2]). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال: (ذكرك أخاك بما يكره، قال: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول، فقال عليه الصلاة والسلام: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)([3]). قال ابن عباس : "حرم الله على المؤمن الغيبة كما حرم الميتة"([4]). قال مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان: "لا بأس بالظن السوء ما لم يتكلم به ، فإن تكلم به وأبداه أثم"([5]). أما التجسس فقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عنه والحث على الستر، يقول سيد قطب- رحمه الله: "معنى هذه الآية أن يظل الناس أبرياء مصونة حقوقهم وحرياتهم ، حتى يتبين بوضوح أنهم إرتكبوا ما يؤاخذون عليه ، ولا يكفي الظن بهم لتعقبهم بغية التحقق من هذا الظن، والتجسس هو الحركة التالية للظن وقد يكون حركة ابتدائية لكشف العورات والاطلاع على السوءات وهذا النهي هو مبدأ إسلامي من المبادئ الرئيسية في النظام الاجتماعي"([6]). وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم)([7]).
ومما تقدم يتبين أن التجسس على المسلمين حرام إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك مثل إرادة معرفة القدرات لتولي الوظائف العامة أو بسبب الوقوف على أخطاء المسلمين ومحاسبتهم وتقويمهم أو لتتبع أهل الريب والإجرام لدفع خطرهم أو الوقوف على نوايا العدو السيئة لعمل الاستعدادات اللازمة لصد عدوانهم. أما الاطلاع على عورات الناس وخصوصياتهم والتعدي على حرياتهم وأسرارهم الخاصة فلا يجوز مهما كانت المبررات([8]).
ومن خلال هذه التوجيهات القرآنية وأقوال المفسرين فيها يتبين لنا عدم جواز التجسس والغيبة لأنها من الأفعال المحرمة شرعاً وتتنافى مع مبادئ الإسلام الاجتماعية فمن باب أولى عدم استخدامها كأساليب للحصول على مادة إعلامية لسبق صحفي أو غرض مادي وليس ذلك من الحرية الإعلامية في شيء بل هو اعتداء على حقوق الآخرين وحرياتهم.
([1]) سورة الحجرات، الآية 12.
([2]) صلاح الخالدي، مختصر تفسير الطبري، دار القلم، دمشق ط1، 1990م، ج7 ص40- 41.
([3]) النيسابوري، صحيح مسلم، حديث رقم 2589، كتاب البر والصلة والآداب، 45، باب تحريم الغيبة 20.
([4]) الخالدي، مختصر تفسير الطبري، ج7 ص42.
([5]) أبو الطيب صديق بن حسن القنوجي ، فتح البيان في مقاصد القرآن، دار إحياء التراث الإسلامي، قطر، 1989م ج13 ص47.
([6]) قطب، سيد، في ظلال القرآن، ج7 ص139- 140.
([7]) أبو داود، سنن أبي داود، باب في التجسس، صحيح مسلم، حديث رقم 4888.
([8]) زهير عثمان علي نور ، جهاز الاستخبارات الإسلامي المثال والواقع، (بدون ناشر،بدون تاريخ نشر)، ص20. وأنظر علي نميري، الأمن والمخابرات. رؤية إسلامية، مركز الدراسات الاستراتيجية، الخرطوم، ط1، 1996م، ص111.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال