أن تكون الرسالة الإعلامية معتدلة في مضمونها تعطي كل ذي حق حقه قريباً كان أو بعيداً، صديقاً أو عدواً، فإن كانت الرسالة الإعلامية موجهة لتصحيح خطأ أو توضيح حق فلا ينبغي أن تتغاضى عن أخطاء من كان قريباً أو موالياً، أما إن كانت موجهة لتوضيح صواب أو حق أو رد مظلمة فينبغي أن لا تتوانى المؤسسة الإعلامية أو تخفي ما يجب إظهاره إن كان صاحب الحق ذا عداوة مباشرة أو معادياً لقريب.
وهذا الضابط يؤخذ من آيتين: الأولى تحث على عدم الجور حتى مع الأعداء، والثانية تحث على العدل حتى مع الأقرباء.
يقول الله سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ*" ([1]).
والشنآن هو البغض وشنئته أي تقذرته بغضاً له([2]).
وقال تعالى: "وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*"([3]).
ففي الآية الأولى نهاهم الله سبحانه وتعالى أن تحملهم الضغائن على ترك العدل ثم أمرهم ثانياً أمر تأكيد ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل وهو كونه أقرب للتقوى، ولما كان الشنآن محله القلب وهو الحامل على ترك العدل ختم الآية بصفة خبير وهي بمعنى عليم ولكنها تختص بما لطف إدراكه([4]).
يقول سيد قطب رحمه الله: "نهاهم الله عز وجل في آية سابقة أن تحملهم العداوة والبغضاء على الاعتداء، أما هذه الآية فهي تنهى المؤمنين أن تحملهم العداوة والبغضاء أن يميلوا في العدل، وهي قمة أعلى مرتقى وأصعب على النفس، ألا وهي إقامة العدل مع الشعور بالكره والبغضاء"([5]).
أما قوله تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) أي ولو كان المقول له أو عليه ذا قرابة للقائل فلا ينبغي أن يزيد ولا ينقص([6]).
يقول ابن كثير: "والله تعالى يأمر بالعدل لكل احد في كل وقت وفي كل حال"([7]).
ومن معاني الآيتين وأقوال المفسرين فيها يتبين حرص القرآن على توجيه الناس نحو العدل والبعد بهم عن الظلم. ويشمل هذا التوجيه الإعلاميين حيث إن المادة الإعلامية إن جافاها العدل وقاربها الجور حتى مع الأعداء فهو ظلم وتجاوز للحق.
كما أن عدم التزام المؤسسة الإعلامية بهذا الضابط يؤثر تأثيراً مباشراً على مصداقيتها وعلى ثقة الجمهور بها لأن الجمهور حين يتابع مادة إعلامية فهو يرغب في أن تكون مادة إعلامية واقعية نابعة من مصدر صادق معتدل.
([1]) سورة المائدة، الآية 8.
([2]) الأصفهاني، معجم مفردات ألفاظ القرآن، ص300.
([3]) سورة الأنعام، الآية 152.
([4]) أبو حيان، البحر المحيط، ج4 ص196. الحسن، أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، دار الكتب العلمية، لبنان، ج2 ص152،
([5]) سيد قطب، في ظلال القرآن، المجلد الثاني، ج6 ص99.
([6]) الأندلسي، البحر المحيط، ج4 ص689.
([7]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج3 ص328.
التسميات
حرية إعلامية