الحرية الإعلامية وعدم البحث فيما ليس للإعلامي علم به ولا يهم المتلقي.. ضياع الوقت وفوات المصداقية وانشغال الناس بما لا يهم في جلب مصلحة أو دفع مفسدة

عدم البحث فيما ليس للإعلامي علم به ولا يهم المتلقي فهو جهد ضائع لا يخلو من حساب، لأن البحث في سفاسف الأمور وما لا يهتم له الجمهور مضيعة للوقت وإزراء بالمؤسسة الإعلامية واستخفاف بعقلية المتلقي وينتج عنه ضعف المؤسسة الإعلامية وتقلص جماهيرها وغير ذلك من السلبيات.

يقول الله تعالى: "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا"([1]).

وقد ذهب عامة المفسرين إلى أن معنى الآية لا تتبَع ما لا علم لك به من قول أو فعل كأن تقول ما لا تعلم أو أن تعمل بما لا تعلم، ويدخل فيه النهي عن التقليد إن كان إتباع فيما لا تعلم صحته([2]).

وذكر الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن الكريم أن هذا اللفظ كناية عن الاغتياب وتتبع المعايب([3]).

وذكر ابن العربي في تفسير هذه الآية خمسة أقوال:
- لا تسمع ولا ترى ما لا يحل سماعه ولا رؤيته.
- قال ابن عباس: لا تتبع ما لا تعلم ولا يعنيك.
- لا تقل رأيت ما لم تر أو سمعت ما لم تسمع.
- قول محمد بن الحنفية هي شهادة الزور.
- عن ابن عباس (لا تقف) أي لا تقل([4]).

يقول ابن القيم رحمه الله في تفسيره لهذه الآية : "وإذا كان السمع والبصر والكلام والفؤاد منقسماً إلى ما يؤمر به وينهى عنه فإن العبد مسؤول عن ذلك فكيف يجوز أن يقال كل قول في العالم فالعبد ممدوح على استماعه ونظير هذا أن يقال كل مرئي في العالم فالعبد ممدوح على النظر إليه"([5]).

وبعد استعراض أقوال المفسرين في معني هذه الآية يظهر أن جميع الأقوال لا تعارض بينها. وأنها في مجملها تشمل النهي عن تتبع عورات الناس أو ما ليس لنا به علم أو ما ليس لنا به شأن وعدم الكذب بادعاء سماع شئ لم تسمعه.

ومن كل هذه المحاذير جاء هذا التوجيه الذي ينهى الإعلامي فيه عن السعي والبحث وراء ما ليس له به علم أولا يعنيه أو ما لا يفيد ولا يهم جمهوره لأنه محاسب على ذلك إما في الدنيا أو في الآخرة. فضلاً عن ضياع الوقت وفوات المصداقية وانشغال الناس بما لا يهم في جلب مصلحة أو دفع مفسدة.

([1]) سورة الإسراء، الآية 36.
([2]) أبو حيان، البحر المحيط، ج7 ص47.
([3]) الأصفهاني، مفردات غريب القرآن، ص457.
([4]) ابن العربي، أحكام القرآن، ج3 ص153- 154.
([5]) محمد، يسري السيد، بدائع التفسير (الجامع لتفسير بن القيم الجوزية)، دار ابن الجوزي، الرياض ط1، 1993م، ج3 ص79.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال