تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى المجتمع، كأن يرى الناس أمراً ما حراماً وهو حلال أو العكس أو يرونه مكروهاً وهو جائز، وجميع ما يعتقدونه اعتقاداً مغايراً للحقيقة والصواب هو من المفاهيم الخاطئة. وقد وجه الله عز وجل في كتابه الكريم هذه الأمة نحو الصواب في عدة أمور كانوا يرونها على غير حقيقتها.
قال تعالى: "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ*"([1]).
وقال تعالى: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ*" ([2]).
وقال تعالى: "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ*"([3]).
ففي الآية الأولى نبّه عزوجل المؤمنين وغيرهم إلى أن من قتل في سبيل الله ليس كما تظنونهم أمواتاً كغيرهم بل لهم حياة خاصة عند ربهم تميزهم عن غيرهم، ويتمتعون فيها بما رزقهم الله.
كما وضحت الآية الثانية كذب أحبار اليهود الذي انطلى على عامتهم وغيرهم، وصدقوا بأنهم أبناء الله وأحباؤه، فقد كذبت الآية زعمهم ووضحت ذلك بالدليل الملموس على أرض الواقع.
أما في آيتي النحل فقد عالجت الآيتان مرضاً اجتماعياً قاتلاً ووهماً جاهلياً خطيراً وهو احتقار البنات والاستحياء من ولادتهن ودفنهن أحياء. وفي الحقيقة ليس في ذلك ما يعيب وكان أسلوب الرد قوياً وصارماً حيث ختمت الآية بقوله تعالى (ألا ساء ما يحكمون) ومن جميع الآيات السابقة يتبين اهتمام القرآن بمعالجة الوهم والخطأ لدى الناس إما بتوجيه الخطاب مباشرة أو بفضح المدعين بتوضيح أسمائهم أو بتوجيه خطاب شديد اللهجة لمن لا يزال متأثراً بمفاهيم الجاهلية المنحرفة، وكأن في ذلك إشارة إلى أن توضيح الحق وإزهاق الباطل ومعالجة أمراض المجتمع وتصحيح مفاهيمه الخاطئة لا تخضع لضوابط أو شروط يقول سيد قطب: "والآية نص في النهي عن حسبان أن الذين قتلوا في سبيل الله وفارقوا هذه الحياة وبعدوا عن أعين الناس أموات ونصت الآية على إثبات حياتهم"([4]). بعكس ما كان يعتقده الناس.
أما في آية النحل فيقول سيد قطب "وهكذا تبدو قيمة العقيدة الإسلامية في تصحيح التصورات والأوضاع الاجتماعية"([5]).
(ألا ساء ما يحكمون) أي بئس الحكم حكمهم وبئس الفعل فعلهم حيث نسبوا البنات إلى الله، وظلموهن ظلماً شنيعاً حيث كرهوا وجودهن وأقدموا على قتلهن بدون ذنب([6]).
ويمكن الاستنتاج من أسلوب هذه الآيات وأهدافها أن من حق الإعلامي أن يسلك في هذا الطريق أقوى الوسائل وأسرعها تأثيراً وله مطلق الحرية في معالجة ما ظنه الناس حقاً وهو باطل أو العكس.
([1]) سورة آل عمران، الآية 169.
([2]) سورة المائدة، الآية 18.
([3]) سورة النحل، الآيتان 58- 59.
([4]) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج4 ص143.
([5]) المرجع السابق، ج14 ص 73.
([6]) عبد الله شحاتة، تفسير القرآن، ج14 ص2672.
التسميات
حرية إعلامية