الحرية الإعلامية واستعمال لغة يفهمها المستقبِل.. معالجة قضايا مهمة وجوانب حساسة في حياة الجمهور بالحسنى

أن توجه الرسالة الإعلامية بلغة يفهمها المستقبِل حتى يتحقق المقصد وتفهم الرسالة الإعلامية الموجهة، ولا يقتصر ذلك على لغة اللسان فقط بل يتجاوز ذلك حتى الأسلوب؛ فالأسلوب الذي يفهمه الكبار قد لا يفهمه الصغار، والأسلوب الذي يعرفه المتعلمون لا يفهمه العامة.

يقول الله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"([1]).
فالرسل أرسلت بلغة قومهم ليقع البيان وتقوم الحجة([2]).

وهذا هو المقصود من توجيه أي رسالة عبر وسائل الإعلام.
لذلك يجب ابتداءً أن تكون لغة الرسالة الإعلامية هي لغة الجمهور المتلقى، مع الاهتمام باللغة الإعلامية أو الأسلوب الإعلامي المناسب للفئة المراد توجيه الرسالة الإعلامية إليها، حتى يحصل المقصود وتقع الفائدة ويصل البيان.

ويجب توخي الحكمة وحسن الإلقاء في إثارة المواضيع الحساسة ومناقشة القضايا المهمة وذلك خشية تطور الأمور نحو السلب خاصة في مناقشة القضايا العقدية أو ما اعتاد عليه الناس وتوارثوه، لأن الشدة في أمر كهذا تقطع حبل التواصل فوراً.

وتعتبر العملية الاتصالية فاشلة حينئذ، وسنلاحظ توجيهات القرآن في التعامل مع مثل هذه القضايا وكيفية محاولة التقريب بما لا يختلف مع الأصول مع الالتزام بحسن العرض، والجميل من القول في كل ذلك حتى نستطيع أن نوصل ما لدينا إلى الطرف الآخر.

قال تعالى: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ*" ([3]).

وقال تعالى: "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ*"([4]).

فالدعوة إلى سبيل الله إحدى أهم القضايا، ويدخل فيها مجادلة أهل الكتاب ودعوتهم إلى الحق.
وفي كلا الموضعين نجد أن القرآن يدعو إلى الحكمة والحسنى، بل إن الله عز وجل يوجهنا لأن نتودد إليهم ونتقرب منهم بكلام جميل يزيل التحفز والشحناء والعدائية من قلوبهم ، كأن نقول لهم إننا مؤمنون بما أنزل إليكم وربنا وربكم واحد وكأن الآية تقول لهم إنكم لستم بالسوء الذي يصل بنا إلى أن نجافيكم فتستحيل معكم جميع سبل الاتصال والنقاش والجدال.

(الموعظة الحسنة) هي القول اللين الرقيق من غير غلظة ولا تعنيف، ولا يخفى عليهم فيه أنك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم فيها([5]).

وذكر الزحيلي في تفسير الآية الثانية (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) أن من فقه الآية فضيلة الجدال والنقاش بالأسلوب الحسن، وبالحكمة والموعظة الحسنة فذلك أدعى عند العقلاء إلى توفير القناعة والوصول إلى الإيمان وتحقيق الهدف المقصود([6]).

فإذا كانت الرسالة الإعلامية تعالج قضايا مهمة وجوانب حساسة في حياة الجمهور فيجب أن تكون هذه الرسالة بالحسنى ويغلب عليها الرفق واللين حتى يحصل المقصود لأن مثل تلك القضايا لا يفلح معها سوى هذا الأسلوب إما لتعلقها بمعتقدات لا يمكن تغييرها إلا بالقناعة أو لشدة تمسك الناس بها فلا يمكن صرفهم أو توجيههم إلا بالحسنى.

([1]) سورة إبراهيم، الآية 4.
([2]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج4 ص410. ابن عطية، المحرر الوجيز، ج8 ص198.
([3]) سورة النحل، الآية 125.
([4]) سورة العنكبوت، الآية 46.
([5]) البغوي، معالم التنزيل، ج5 ص52. الزمخشري، الكشاف، ج2 ص601.
([6]) الزحيلي، وهبة، التفسير المنير، ج21 ص11.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال