المنهج البنيوي التكويني وبناء سوسيولوجيا الرواية في إطار النظرية الجدلية.. بلزاك والواقعية الفرنسية

المنهج البنيوي التكويني هو الخطوة الثانية بعد بليخانوف، والمحاولة الفعالة في بناء تصوّر أكثر نضجاً لسوسيولوجيا الرواية في إطار النظرية الجدلية.

وقد قام بهذه الخطوة الناقد المجري (جورج لوكاش) الذي كان –على الرغم من اهتماماته السياسية بالدرجة الأولى- قد أولى الرواية عناية خاصة، مما جعل كتابه (نظرية الرواية) 1920 معلماً من معالم تطور هذا المنهج، بالإضافة إلى كتبه: (بلزاك والواقعية الفرنسية) 1951 و(الرواية كملحمة بورجوازية) 1935، و(الرواية التاريخية).

وقد تميزت كتبه كلها بارتباطها بالمادية التاريخية وهو الذي بلور فكرة (رؤية العالم) التي تبنّاها، من بعده تلميذه غولدمان، كما أسهم في تحليل الخلفيات الفكرية والإيديولوجية التي كانت وراء إبداع بلزاك لرواياته، فوجد عنده إيماناً بالمبادئ الأرستقراطية، وفي الوقت نفسه ميلاً نحو مناقضة هذا الفكر الأرستقراطي. فأثار بذلك قضية هامة هي: التفاوت الموجود أحياناً بين الانتماء الاجتماعي والانتماء الفكري للكاتب.

فكان لوكاش -بذلك- أول مَنْ نبّه إلى ضرورة احتياط الناقد من الوقوع في الخطأ الذي ينشأ عن النظرة الميكانيكية في تفسير أعمال الروائيين، اعتماداً على انتماءاتهم الاجتماعية أو معتقداتهم التي يعلنون عنها بشكل مباشر.

ففي الإبداع الروائي قد يحدث تفاوت كبير بين المعتقدات النظرية والإيديولوجية للكاتب، وبين الرؤية الفكرية التي تتحكم في عمله أو في بعض أعماله، ذلك لأن الإبداع يحرر المبدع أحياناً حتى من أفكاره الراسخة.

وهذا يعني أن العناصر اللاواعية أصبحت تتدخل في طبيعة الإبداع، وأن التصريحات التي يعلن عنها الكاتب في صحوته قد تخالف رؤيته الإبداعية.

ولم تعد الرواية مجرد فكر إيديولوجي، بل أصبحت -عند لوكاش- صياغة جمالية أيضاً، ربما تتجاوز الذات المبدعة أحياناً، لتفصح عن صوت آخر قد يكون معارضاً لهذه الذات نفسها.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال