نستنبط أهمية الحرية في المشاركة السياسية من أهمية القرارات السياسية التي تتعلق بمصير الشعوب ومستقبلها وحل المشكلات العامة، لذلك يوجب القرآن النصيحة والتوجيه إلى المصلحة العامة على جميع الأفراد في المجتمع. قال تعالى: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ*"([1]). ويقول تعالى ممتدحا المسلمين الذين يتصفون بمشاركة بعضهم بعضاً في حل مشاكلهم ومناقشة أمورهم "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*"([2]) ويكون المفهوم من هذه الآية أنّ الذين ليس أمرهم شورى بينهم لم يستجيبوا لربهم. ولا أدل على أهمية الشورى من جمعها مع الصلاة وعطفها عليها([3]).
وفي إطار توجيه الله سبحانه تعالى لنبيه في التعامل مع أصحابه. يقول تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ*" ([4]). ويجب أن توجد هذه الصفات في الإمام وألا يأنف من ذلك؛ فقد نزل الرسول عن رأيه ورأي كبار الصحابة عند رأي الشباب الذين كانوا يودون الخروج إلى الكفار يوم أحد خارج المدينة([5]).
ومسألة الشورى هي أقرب ما تكون من المطلب المعاصر الذي تناضل كثير من المجتمعات والشعوب في سبيل إثبات وجوده، وهو مطلب الرأي العام إلا أن الشورى لا يجوز أن تكون في الأمور الثابت فيها حكم شرعي منزل من عند الله أو ثابت من عند رسوله، لقوله تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً*"([6]). ووفقاً للقاعدة الفقهية المعروفة (لا مساغ للاجتهاد في مورد النص) ([7]).
([1]) سورة آل عمران، الآية 103.
([2]) سورة الشورى، الآية 38.
([3]) العيلي، الحريات العامة، ص 190- 192.
([4]) سورة آل عمران، الآية 159.
([5]) إسماعيل ابن كثير، السيرة النبوية، تحقيق مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بيروت، 1976م، ج3 ص23.
([6]) سورة الأحزاب، الآية 36.
([7]) مجلة الأحكام العدلية، تنسيق المحامي نجيب هواويني، ط5، 1968م، ص17.
التسميات
حرية