الحرية الإعلامية وتوثيق المادة الإعلامية وإثبات مصداقيتها خاصة فيما يتعلق بحقوق الآخرين مع تقديم حسن الظن على سيئه

توثيق المادة الإعلامية وإثبات مصداقيتها خاصة فيما يتعلق بحقوق الآخرين مع تقديم حسن الظن على سيئه، لأن توثيق المادة الإعلامية أمر واجب لتحقيق المصداقية في جميع الأحيان، إلا أن الأمر حين يتعلق بحقوق الآخرين كالطعن في الدين أو العرض فإن الإعلامي سوف يتعرض لمطالبة قضائية إن لم يثبت ما أورده مع أنه ينبغي قبل ذلك تقديم حسن الظن وتأخير الاتهام.

يقول الله تعالى: "لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ * لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ*" ([1]).

يقول ابن عطية: "في هذه الآية عتاب للمؤمنين لأن الإنكار كان واجباً عليهم فكان ينبغي أن يقيس فضلاء المؤمنين والمؤمنات الأمر على أنفسهم فإن كان ذلك يبعد عنهم فكيف يقضون به في حق صفوان وعائشة مع فضلهما ، وقد روي أن هذا الرأي صدر من أبي أيوب الأنصاري وامرأته رضي الله عنهما"([2]).

و(لولا) تحضيضية بمعنى هلا، وقد عدل عن الخطاب إلى الغيبة وعن الضمير إلى الظاهر ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات([3]).

(عند الله) أي: في حكمه وشريعته المؤسسة على الدلائل الظاهرة المستيقنة، (هم الكاذبون) أي الكاملون في الكذب المشهود عليهم بذلك، وفي هذا توبيخ وتعنيف للذين سمعوا الإفك فلم يجِدّوا في دفعه وإنكاره([4]).

وفي هذه الآيات حث للمؤمنين على عدم تلقف ما يؤذي الناس في أعراضهم ونشره، بل الواجب حملهم على المحمل الحسن فضلاً عن تصديق الخبر وإشاعته.

أما أولئك الذين اقتنعوا بضرورة نشر مثل هذه الأمور لمصلحة يرونها فيجب عليهم إثبات ذلك عبر القنوات الشرعية المعروفة، وإلا فهم كاذبون حقيقة أو حكماً ومعرضون للعقوبة الدنيوية أو الأخروية.

ويخاطب هذا التوجيه الإعلامي الذي يبحث عن مادة إعلامية لنشرها بأن عليه أن يقدم حسن الظن على غيره فإن كان ولا بد فعليه أن يوثق ما لديه من أخبار ومعلومات بالطريقة التي تثبت صدقه، وتزيحه عن طريق المساءلة الشرعية أو القانونية.

([1]) سورة النور، الآيتان 12- 13.
([2]) عبد الحق بن عطية الأندلسي ، المحرر الوجيز، قطر ط1، 1977م ج10 ص458،.
([3]) الرازي، التفسير الكبير، ج8 ص341.
([4]) محمد جمال الدين القاسمي ، محاسن التأويل، دار إحياء التراث العربي، لبنان ،ط1، 1959م.، ج5 ص271.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال