إن انهيار التصورات القديمة وانحسارها أمام الانقلاب الذي شهدته النظرية الأدبية والسعي الحثيث لتجاوز المفاهيم المستقرة وطرح أسئلة جديدة لمفاهيم وإجراءات مغايرة شجعت نزوعات الحداثة على (دهم هذه النظرية بتطورات جذرية فاقم تأثيرها الاتصالات ومحاولات إحلال ثقافة الصورة محل ثقافة الكلمة، واللغة التي تتراجع اليوم أمام الثقافة الرقمية، فصار لجماليات الفنون والآداب معايير مختلفة عما سبق، لعل أهمها دعوات الاتصال بين الفنون.
وحدث هذا في مجمل الأنواع الأدبية التي تشتت صرامتها، فذابت الفواصل وانتهكت الحدود ولم تعد تقوى النصوص أمام التداخل على نقاء النوع الأدبي، فتنافذت معايير وخصائص الأنواع الشعرية والنثرية والفنية مع بعضها، إلى الحد الذي تم الاستخفاف بنظرية الأنواع، فلم تعد تحتل مكان الصدارة في الدراسات الأدبية في هذا القرن والسبب هو أن التمييز بين الأنواع الأدبية لم يعد ذا أهمية في كتابات معظم كتاب عصرنا فالحدود بينها صارت تعبر باستمرار، والأنواع تخلط أو تمزج، والقديم منها يترك أو يحوّر وتخلق أنواع جديدة إلى حد صار معه المفهوم نفسه موضع شك) حتى بدت دراسة الأنواع الأدبية عند بعضهم أشبه بمعركة خاسرة مادام النص يقدم معطياته الفكرية والفنية للمتلقي تحت ضغط ثنائية التأثر والتأثير دون تعقيد المسألة أكثر مما ينبغي.
لكننا وبعد التأمل الدقيق تبيَن لنا أنها معركة أملتها ضرورات البحث عن الأصول والتحولات النوعية فمن الثوابت في النظرية، أن لكل نص أدبي تشكيلا لغويا، يتراوح بين درجتي الثبات والتحول، وان دراسة المؤشرات الدالة على هاتين الدرجتين تكشف صرامة النوع الأدبي أو هشاشته أمام التجريب والكتابة الحداثية، كما أنها ضرورية لكشف العلاقة بين النص والمتلقي، وبالتالي فإن أي تجربة أدبية لا يمكن لها أن تفلت بسهولة من دائرة الأنواع الأدبية ولا يمكن لها أن تكون محايدة أو متموضعة خارج إطار هذه الدائرة ويعود ذلك أساسا إلى حقيقة أن كل نوع أدبي يخلق سياقه الخاص وهو سياق لغوي وثقافي وسوسيولوجي.
كما أن كل نص أدبي يمتلك شفرته الخاصة التي يمكن فك رموزها في ضوء سياق النوع الأدبي.
التسميات
نظرية الأنواع الأدبية