النوع الأدبي معيار للتقويم الأدبي.. التركيز على فاعلية المعطى الدلالي هو الأهم في دراسة البنى النصية

هناك موقف من النوع الأدبي يرى ليس بالضرورة أن يكون النوع معيارا للتقويم الأدبي مادام التركيز على فاعلية المعطى الدلالي هو الأهم في دراسة البنى النصية وهذا الموقف يمنح الناقد فرصة كبيرة للتخلي عن (مهمة بوليسية للأدب)، كانت مفروضة عليه لحصر معايير انتساب الأنواع إلى أقصى حد.

وبهذا اتسعت دائرة التنكر لقضية الأنواع واستبدلت بتسميات شديدة الدلالة على تحولات جذرية في الأعمال الأدبية للتخلص من الضغط الاجناسي في وقت لم يعد يسمح لنا بجمع (مجموعة من النصوص لنقول إنها تنتمي إلى نوع أدبي واحد) في وقت تضاءلت قيمة (دور الأنواع بوصفها مرشدا يستخدمه الناقد أو القارئ في عملية التفسير).

ولم يعد بالضرورة أن ينتمي النص إلى نوع أدبي معين, ويبدو أن الاستمرار في دراسة الأنواع الأدبية على حد تعبير تودوروف اليوم بمثابة تزجية وقت فراغ إن لم يكن عملا فات أوانه) وربما هذا ما دعا المعنيين بدراسة نظرية الأدب وخصوصا أولئك الذين يصدرون عن تصورات لسانية وبنيوية إلى استثمار تداخل الأنواع التي اندمجت في نظرية الخطاب وعلم النص)، فتخلت مصطلحات مثل (نص) أو (كتابة) أو (إبداع) عن التصنيفات النوعية عمدا.

واتجهت نظرية الأنواع الحديثة في تصنيف النصوص الإبداعية نحو المغايرة فتعاملت مع النوع الأدبي بوصفه (مفهوما مرنا ومفتوحا يسمح بالتعدد والتداخل ويطور من نفسه مع الزمن أي انه يستخدم في تحليل الأعمال الجديدة ويضاف إليه مع كل استخدام جديد عناصر جديدة بحيث يظل مفهوما متطورا على الدوام)، وأصبح المهم في عالم الأدب حسب موريس بلانشو الكتاب وحده  (بعيدا عن الأنواع وخارج خانات النثر، الشعر، الرواية، الشهادة... التي يرفض أن ينتظم تحتها، رافضا سلطتها المتفصدة إلى تثبته في موضع، وتحدد له شكلا.

إن كتابا ما لم يعد ينتمي إلى نوع أدبي. فكل كتاب ينتسب للأدب وحده كما لو كان الأدب يمتلك مقدما وبكيفية عامة الأسرار والصيغ التي تسمح وحدها بأن تمنح لما يكتب حقيقة الكتاب.

والأدب بعد تبدد الأنواع الأدبية، يؤكد نفسه وحده. ويتلألأ وحده وسط الوضوح الغامض الذي ينشره حوله والذي يعد كل إبداع أدبي رسالة إليه مع تكثيره كما لو كان هناك جوهر للأدب).
وقد تعرض نقاد ما بعد البنيوية إلى مفهوم النوع الأدبي بهجوم وسخرية.

فمقالة جاك دريدا مثلا (قانون النوع) تسخر من الجهد الذي بذله جيرار جينيت لكي يفرق بين (النوع) و(الصيغة) و(النمط) ويبتعد في تحليلاته عند مصطلح (الصنف Class) ويقترب من (النص) لأن التحليلات النصية هي التي ستكشف لنا عن مفارقة الانتساب وعدم الانتساب في اللحظة نفسها).

وهذا ما دعا إلى خلخلة كثير من المسلمات وتشتيت مركزيتها، فاهتزت جرَاء ذلك التصورات القديمة وتغيرت النظرة القائلة (بضرورة حصر الخصائص وتبيان القواعد وتنظيم الأبنية وضبط الأساليب بهدف الوصول إلى معايير مستخلصة من النصوص المتقاربة لتصبح مبادئ عامة مميزة للأنواع إلى فكرة توسعية تريد أن تجعل من فكرة نظرية الأدب إطارا جامعا للممارسات الأدبية بشتى أنواعها).

إن النظرة إلى النوع بهذه الصورة المنفتحة كليا على المضمونية فيها من التجني شيء كثير فليست غاية النص الأدبي مجرد إيصال المعنى ولو كانت كذلك لما ظهرت أنواع أدبية بصيغ وأشكال شتى، وسوف يسود النثر التقريري والإخباري الذي هو أجدر بإيصال المعلومة الجاهزة دون أي افتراض نظري يحاول أن يعالج النص الأدبي الممكن، وعندها لا ضرورة لمعايير وخصائص تمنح النص الأدبي فاعلية جمالية، وستعم الفوضى في الأعمال الأدبية بحجة التخلص من (الأعراف التأسيسية) التي يمنحها النوع الأدبي للنص.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال