عوائق التواصل البيداغوجي والاكتفاء بالمعارف الجاهزة والحقائق الثابتة على حساب الأبعاد المنهجية والنتائج الحضارية

 الاكتفاء بالمعارف الجاهزة والحقائق الثابتة على حساب الأبعاد المنهجية والنتائج الحضارية مما يفضي إلى الغفلة عن تنمية الملكات الذهنية، وإهمال الأهداف الحقيقية للدرس، وهي المتمثلة في ترقية المفاهيم والتصورات وتنمية النزوع إلى المرونة العقلية، ومنع المعارف الجاهزة والمسلّمات النقلية من أن تتحول إلى سلطة معرفية تفرض نفسها على الباث والمتلقي جميعا، تكرّس التبعية والعلاقة العمودية وتمنع التواصل القائم على النشاط الذهني والحيوية.

وفي هذا السياق قد نجد أوضح مثال للواقع التربوي غير القويم في مجموع الدروس المتعلقة بمصادر التشريع الإسلامي من برنامج الحضارة للسنة الأولى من التعليم الثانوي حيث ما يزال البعد الفقهي هو الغالب على دروس هذا المحور لدى الأغلبية الساحقة من مدرسي مادة التفكير الإسلامي.

فكثيرا ما ينسى هؤلاء الأساتذة أنهم يتعاملون مع دروس في الحضارة الإسلامية وليس مع مجرد دروس فقه ومن ثم يغيّبون البعد الحضاري، ويجردون الدرس من المصطلحات الحضارية.

بل كثيرا ما يغيّبون عبارة "حضارة" نفسها ويكتفون بترديد المصطلحات الفقهية التقليدية مستعرضين المصادر الأساسية الأربعة ثم المصادر التكميلية ثم القواعد تشريعية ثم خصائص الشريعة الإسلامية... الخ، فلا يكون في دروسهم ما يساعد على فتح الباب لاستحضار الأبعاد الحضارية للدرس، ولا يكون في سلوكهم البيداغوجي ما يحفز التلاميذ ما يحفز التلاميذ على التواصل ويغريهم بالمشاركة.

وإنما تبعث الحيوية في مثل هذه الدروس بتجزئة الأسئلة وتفكيك المعاني ومساعدة التلاميذ على الاقتناع بأن مصادر التشريع الإسلامي كانت في حياة الرسول عليه السلام مصدرين فقط لا ثالث لهما، هما القرآن والسنة المتمثلة في شخص الرسول ذاته، وأنه لم يكن هناك مصدر للأحكام الملزمة غيرهما.

فلما توفي الرسول انقطع الوحي واكتمل القرآن، وغالب المثال وهو شخص الرسول واستمرت وقائع الحياة فاحتاج الناس إلى التماس مصادر جديدة للتشريع فكان الإجماع، وكان القياس، فلما تقدم الزمن واتسعت المساحة الترابية للبلاد الإسلامية وتغيرت الظروف، وتفرق المسلمون شيعا ومذاهب، أصبح صعب المنال، وجدّت قضايا ومشاكل ليس فيها نص ولا تقبل القياس فاحتاج الناس إلى مصادر تكميلية تكمل المصادر الأربعة في مواصلة مسيرة التشريع ومنع توقفه حتى يكون مستجيبا لمشاغل الناس أينما كان زمانهم أو مكانهم.

إن مثل هذا المنهج يفتح الباب للأبعاد الحضارية حيث يرسخ في أذهان التلاميذ مبدأ تطوير التشريع فيقتنعون بأنه كلما تغيرت ظروف الزمان والمكان وجب إثراء مصادر التشريع بمصادر جديدة لم تكن من قبل، ويثبّت في أذهانهم مبدأ حضاريا قائما على عدم توقّف مسيرة التشريع، وعلى عدم كفاية الحلول الجاهزة، والأحكام الموروثة.

كذلك فإنه لا يكفي أن يعرف التلاميذ خصائص الشريعة الإسلامية (العموم والشمول والخاتمية وقابلية التطور ومسايرة الفطرة...الخ) وإنما ينبغي أن يعرفوا مقتضيات كل خصوصية، من ذلك اقتضاء خصوصية العموم لمبدأ المرونة والتسامح والانفتاح على الآخر...الخ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال