توقير المدرس للمتعلم وتقديره.. تعلم وتدريس حسن الخلق وصفاء السريرة من خلال الواقع الملموس والصورة الحية

بعيداً عن نظرة التعالي التي سادت بين كثير من المسلمين وللأسف، وفوق احتقار الآخرين وازدرائهم - كما هو حال بعض المعلمين - فوق ذلك كله وأسمى منه يجب أن تكون أخلاقنا معشر المعلمين الدعاة.
وفي الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: باب إكرامه الغرباء من الطلبة وتقريبهم، استقباله لهم بالترحيب، تواضعه لهم، تحسين خلقه معهم، الرفق بمن جفا طبعه منهم، ويروي في الباب الأخير عن أبي عثمان الوراق قال: اجتمع أصحاب الحديث عند وكيع، قال: وعليه ثوب أبيض، فانقلبت المحبرة على ثوبه، فسكت مليًّا ثم قال: ما أحسن السواد في البياض.
وعن سفيان بن وكيع قال: قال أبي: من أراد أن يحدث فليصبر وإلا فليسكت (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/355).
وفي الأدب الرابع للمعلم عند ابن جماعة: "أن يحب لطالبه ما يحب لنفسه كما جاء في الحديث، ويكره له ما يكره لنفسه، قال ابن عباس: أكرم الناس علي جليسي الذي يتخطى رقاب الناس إليّ، لو استطعت أن لايقع الذباب عليه لفعلت، وفي رواية: إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني" (تذكرة السامع والمتكلم (49).
ويؤكد ابن جماعة على المعلم حسن المعاملة في موضع آخر فيقول:"وكذلك ينبغي أن يترحب بالطلبة إذا جلسوا إليه، ويؤنسهم بسؤالهم عن أحوالهم،وأحوال من يتعلق بهم بعد درسهم، وليعاملهم بطلاقة الوجه، وظهور البشر، وحسن المودة، وإعلام المحبة، وإضمار الشفقة"(تذكرة السامع والمتكلم (65).
وقال النووي: "وينبغي له أن يحنو عليه، ويعتني بمصالح نفسه وولده، ويجريه مجرى ولده في الشفقة عليه والاهتمام بمصالحه" (المجوع شرح المهذب (1/ 31).
إن توقير الطالب وتقديره - مع أنه خلق المسلم ابتداء - يعلِّمه أن يوقر الناس، ويدعوه لمحبة مدرسه، والتلقي فرع عن المحبة وصفاء القلوب، وهو كذلك يخرج لنا جيلاً يتصف بحسن الخلق، وصفاء السريرة؛ إذ هو يتعلمها ويدرسها من خلال الواقع الملموس والصورة الحية، مما يفعل ما لا تفعله الكلمات المجردة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال