المدرسة والتنمية المعرفية لشخصية المتعلم.. الاعتماد على الكفاءات البشرية لتدبير وصناعة المعارف والمعلومات الابتكارية

تشكل المقارنة بين الاطفال المتمدرسين وغير المتمدرسين، أبسط وسيلة لتأكيد وإبراز آثار التمدرس على تنمية الكفاءات والسيرورات الذهنية عند الطفل/ الفرد، وعلى تطور شخصيته وأشكال تفاعله مع محيطه الاجتماعي، وهذا ما قامت به مجموعة من البحوث، نذكر منها: أعمال فجوتشكي، وهو أول من ربط النمو المعرفي للطفل بالتمدرس عامة، وبالكتاية والقراءة خاصة، كأدوات اجتماعية وثقافية تطور فكر الطفل، حيث أكد على الدور الايجابي الذي تلعبه اللغة المكتوبة كنظام رمزي مجرد في تكوين السيرورات الذهنية العليا.

كما نجد بأن لوريا (1976) قد قاد بعثة من علماء النفس في الثلاثينات الى آسيا الوسطى لدراسةآثار الاصلاحات الاجتماعية والثقافية، وبالضبط التمدرس، على الوظائف الفكريةللسكان، الذين لم تكن أنشطتهم تتجاوز حدود العمل الفلاحي التقليدي المحكوم بمظاهر الأمية والعزلة عن باقي العالم... حيث اكتشفت هذه الدراسة أهمية التأثير الإيجابي للتمدرس على فكر السكان، حيث ان المجموعة المتمدرسة تعاملت بطريقة مجردة معالاختبارات واستجابت الى العلاقات التصورية والمنطقية للأشياء.

وحسب بروير وروجوف، التمدرس في جل الحالات له تأثير إيجابي جدا على معارف الطفل، يكمن أساسا في تحويل هذه المعارف في طابعها العملي والواقعي المتضمن في السياق الى طابع نظري مجرد ومتحرر من السياق الواقعي.

ان الدراسات السالفة، وغيرها، تقر بأن المدرسة تلعبدورا مهما في الدفع بالطفل الى ولوج الفكر الصوري المجرد، وتبني وتسرع سيروراته وعملياته الذهنية العليا، وبذلك تلعب (المدرسة) دورا حيويا في الرقي بشخصية الفرد وتنمية ذكائه، مما يؤثر إيجابا على أشكال تفاعله الفعال والناجع مع محيطه الاجتماعي والطبيعي المعقد، بالاضافة الى أن السيرورات الذهنية العليا لدى الفرد، هي القمينةبإنتاج وإبداع الخبرات النظرية والتكنولوجية والاقتصادية·· الجديدة، كما تؤكد ذلك كل الدراسات المتمركزة حول الموارد البشرية في التنمية المستدامة·

وهذا ما جعل الدول المتقدمة او الطامحة للتقدم تركز بشكل كبير على الكفاءات المعرفية العليا لمواطنيها، لربح رهانات التقدم والمنافسة الدولية الجديدة، حيث أصبح الاقتصادالجديد، هو "اقتصاد المادة الرمادية"، أي اقتصاد معرفي بالاساس، يعتمد على الكفاءات البشرية لتدبير وصناعة المعارف والمعلومات الابتكارية، التي توظف، بشكل مباشر اوغير مباشر، في النمو الاقتصادي والاجتماعي الشامل.

إن هذه المعطيات والرهانات الجديدة جعلت جل الباحثين والمهتمين يركزون على دراسة الموارد البشرية وسبلتنميتها، وخصوصا تنمية كفاءاتها المعرفية والمهارية، بحيث أصبح هناك تخصص جديد يهتم بالتربية المعرفية، لتنمية وتربية القدرات والكفاءات المعرفية/ الذهنية لدى الفرد، فلا بأس ان نتعرف، ولو بشكل مقتضب، على ما يسمى بالتربية المعرفية، نظرا لأهميتها في تحقيق التنمية المعرفية للفرد، ولنتائجها التطبيقية الايجابية، سواء في المدرسة او المجتمع·
أحدث أقدم

نموذج الاتصال