في سورة الرعد يقرر الله سبحانه سنته الكونية التي لاتتعارض مع الرسالة والعبادة فيقول سبحانه: (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) فسنة الأنبياء وهم أشرف الخلق اتخاذ الأزواج وطلب النسل وتأملي ياابنتي كلمة وجعلنا لهم التي تؤكد ماذكرناه غير مرة.
فالزواج سنة من سنن الأنبياء والمرسلين الذين هم صفوة البشر، وقد امتدحهم الله عز وجل في كتابه العزيز حيث قال: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ).
وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحث على ذلك استزادة في النسل لقوله صلى الله عليه وسلم: (النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصيام فإن الصوم له وجاء).
ومن أسباب الترغيب في الزواج الخوف من الفساد سواء للمرأة أو الرجل، وقد أمر صلى الله عليه وسلم بقبول صاحب الدين والخلق لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).
ويهدف أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الحصول على الولد عن طريق النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له).
وقد كان عامة المسلمين يعملون بما هم مأمورين به من الله سبحانه وتعالى ومن نبيه الكريم عندما كان الدين أساس حياتهم، ولكن مع التغيرات التي شهدها المجتمع ودخول الثقافة الغربية إلى حياة الناس وسيطرة المظاهر عليهم حتى أثرت على مجرى حياتهم، أصبح الزواج بالنسبة للأغلبية مظهرًا اجتماعيًا أكثر مما هو عليه كمطلب شرعي، فالمرأة تبحث عن صاحب المركز المرموق أو المال الوفير، والرجل وضع جل همه في المواصفات الشكلية فقط، فأصبحت المرأة ترفض هذا وترد ذاك، وسنوات العمر أسرع من قرارها البطيء الذي لم تتخذه بعد حتى إذا أدركت فداحة خطأها وإذ الباب مغلق وما من طارق له، أما الرجل وبحثه عن الحسن والجمال فيضيع أيضًا الكثير من سنوات عمره حتى إذا ظفر بما يريد تفاجأ فيما بعد بالكثير مما لا يريد، فكان الندم مصيره والعودة من جديد للبحث والتنقيب عن الزوجة المناسبة.
وحيث إن تأخر الزواج وكثرة الطلاق قد أصبحت ظاهرة في مجتمعنا الإسلامي نتج عنها الكثير من النساء دون أزواج يرعون مصالحهن، والبعض من الرجال دون زوجات يعتنين بهم، فقد أحببت أن أوضح بعض أسباب هذه الظاهرة وبعض الأخطار المحدقة بالجنسين من جراء البقاء دون زواج وأبين لنساء المجتمع وفتياته بعض الطرق الصحيحة التي يمكن من خلالها الحصول على زوج مناسب يرعاها ويحافظ عليها وتسعد به.
من فوائد الزواج للفرد والمجتمع المسلم:
سن الله سبحانه وتعالى الزواج وحث نبيه الكريم عليه لما لهذا الأمر من فوائد عظيمة دينية ودنيوية يظفر بها الفرد المسلم بعد تكوينه للأسرة المسلمة، ومن هذه الفوائد التي تعود على الفرد والمجتمع:
- إعفاف النفس، والتحصين من الشيطان، وغض البصر وحفظ الفرج، فالفرد سواء كان رجلاً أو امرأة إذا كان دون زواج سيكون هدفًا للغواية وأكثر تقبلاً للفساد، فالزمن قد تغير والمثيرات من حولهم أكبر من أن تقاومها النفس البشرية الأمارة بالسوء إلا من رحم الله.
- تحصيل الولد، لإبقاء النسل وحصول الذرية الطيبة وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الإكثار من النسل، لأنه سيباهي بهم الأمم يوم القيامة، وفي نفس الوقت فكثرة الإنجاب فيه قوة للأمة المسلمة، وتكثير للشباب فيها، وهم أمل الأمة في حمايتها ورد كيد الأعداء عنها بإذن الله تعالى.
- تحقيق المودة والرحمة بين الزوجين، لما في ذلك من راحة القلب وتقويته على العبادة، فالزوج يجد راحته النفسية عند زوجته، حيث يبث إليها همومه ويشكو إليها متاعبه، وفي نفس الوقت تجد الزوجة في زوجها مصدرًا معينًا بعد الله تعالى على تحمل أعباء الحياة، وشريكًا لها يؤنس وحشتها ويزيل همها ويدخل السعادة إلى قلبها.
- تفرغ الرجل لأمور هامة خارج المنزل وتركه لأشغال المنزل لتقوم بها المرأة التي تكسب من ورائها الأجر من الله تعالى، فعملها في بيتها وخدمتها لأطفالها مساوٍ للجهاد في سبيل الله، فهو نوع من العبادة لله تعالى، وخاصة عند قيامها بتوجيه أطفالها توجيهًا إسلاميًا صحيحًا، فهم مكسب للأمة المسلمة.
- حصول كل من الزوجين على الأجر من الله سبحانه وتعالى، لتحمله متطلبات الآخر مع التعاون على تربية الأولاد وتوجيههم التوجيه الصحيح، فالإنسان المسلم يحصل على الأجر عند قيامه بأعمال الخير أياً كانت، فالرجل إذا عمل على كسب رزقه وقوت أهل بيته بالحلال سيكون له الأجر والثواب على ذلك، والمرأة عندما تعمل على راحة أهل بيتها وتلبية طلباتهم سيكون لها مثل ما له من الأجر.
- الحصول على الرزق والبركة فيه: فعند تحمل الرجل لنفقات زوجته ومصاريف أطفاله وأفراد أسرته تحل البركة ويزداد الرزق: لأن الله سبحانه وتعالى تكفل بأرزاق المخلوقات صغيرها وكبيرها منذ ولادتها وحتى وفاتها لقوله تعالى ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِين).
- التعارف والترابط بين المسلمين عن طريق الزواج فهو سبب بعد الله تعالى للترابط بين القبائل والتعارف بين الأسر قال تعالى( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
من أسباب تأخر الزواج:
ينبغي للمرأة المسلمة وأهلها أن يسبقوا الأحداث فيعرفوا أسباب العنوسة وخطورتها، والآثار السيئة لبقاء المرأة ثيبًا أو بكرًا بدون زوج صالح يرعاها ويهتم بأمرها ويحافظ على سترها وعفافها، فيتجنبون أسباب العنوسة وبقاء المرأة بلا زوج، حتى لا يصعب علاج المشكلة أو يتعذر تمامًا لا قدر الله.
ومن أبرز أسباب بقاء المرأة بلا زوج أو تأخر ذلك ما يلي:
- غلاء المهور وتكاليف الزواج المادية التي يمكن أن يستغنى عن الكثير منها، وليس هو من صميم تكاليف الزواج، فكم من شاب تراجع عن إتمام هذا الأمر بسبب المبالغة في التكاليف والإسراف في الكماليات، وفي الحديث: (أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة).
- عضل الأولياء طمعًا في الخدمة أو الخوف على الراتب، فأحيانًا تكون الأسرة بحاجة على خدمة المرأة في رعاية مريض أو أيتام صغار ونحو ذلك، فيرفضون تزويجها في الوقت المناسب، ولن يمكن الجمع بين ذلك وبين الزواج من شخص يمكن أن يقبل بذلك الوضع احتسابًا للأجر، خاصة عندما يعلم أن المرأة متمسكة ببرها بوالديها أو بأطفالها الأيتام، وقد يحرص عليها الزوج الصالح ويجعلها في سكن قريب من والديها أو يرضى يتحمل مسؤولية الأيتام والإشراف على شؤونهم، فالمهم أن لا تبقى المرأة بدون زوج أو ذرية حتى إذا انتهت حاجة والديها أو أطفالها وإذا القطار قد فات ولا ينفع الندم.
- تأخير سن الزواج بحجة إكمال الدراسة للفتاة أو الحصول على وظيفة للشاب، مع أن الفتاة تستطيع أن تجمع بين الدراسة والزواج، وكلما كان زواج الفتاة مبكرًا كان أفضل لها مع محاولة التنسيق في حياتها بين بيتها ودراستها، ففرصة الزواج من رجل كفء تكون مع صغر السن أكبر خاصة مع وجود بعض الخطاب الذين لا يمانعون من مواصلة الزوجة للدراسة.
أما بالنسبة للشاب فباستطاعة الكثير منهم الزواج قبل الوظيفة إذا كانت الأسرة ميسورة الحال أما أثناء الدراسة فبإمكان الشاب التوفيق وذلك بالعمل في وقت الفراغ فيحسن دخله من خلاله فقد قال تعالى:( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم).
- الطموح الزائد والطمع في كمال المواصفات للطرف الآخر، فالفتاة تضع في مخيلتها أنه بالإمكان الحصول على شاب كامل المواصفات من وسامة وشهادة عالية ومركز مرموق، ويكون ابنًا لأسرة معروفة، ولم يسبق له الزواج، ونتيجة لهذه الأحلام يكثر الرد والرفض حتى تكبر وتقل فرصتها للزواج مع كبر سنها نسبة ما تريد من مواصفات فيمن يتقدم لها وهكذا.
ونجد الشاب في المقابل يطلب المواصفات الكاملة في شريكة حياته، فهو يريدها جميلة مثقفة ومتعلمة ومن عائلة معروفة، ولا نعترض على الطموح ولكن القناعة مطلوبة في مثل هذه الأمور خاصة عندما يمعن الواحد منهم النظر في نفسه وفي مواصفاته وأنه غير كامل فالكمال لله وحده.
وكما يقال من أراد إمرأة كفاطمة رضي الله عنها فعليه أن يكون رجلا كعلي رضي الله عنه.
- الزواج من غير بنات البلد بحجة قلة التكاليف مقارنة بالتكاليف القائمة حاليًا في المجتمع، مع العلم بأنه سيوجد امرأة بدون زواج مقابل كل زوج من خارج البلد، فقد انتشر الزواج من غير المواطنات في الآونة الأخيرة، مع تناسي ما يترتب على هذا الزواج من مشاكل تؤثر على المجتمع بصورة عامة، وعلى الرجل نفسه بصورة خاصة وبالذات إذا نتج عن هذا الزواج أطفال وحدت خلاف فيما بعد فالخلاف مع بنت البلد أهون من غيرها، لأنه على أقل تقدير سيكون بالإمكان رؤية الأطفال والإشراف عليهم من قبل أحد الوالدين، مع إمكانية رؤية الآخر لهم في بعض الأوقات، أما الزوجة إذا كانت من دولة أخرى فستكون نتيجة الطلاق حرمان الأطفال من الأم أو من الأب إلى الأبد.
- الخوف من الفشل في ظل عدد الزيجات الفاشلة، وذلك بمقارنة نسبة الطلاق إلى العدد الأصلي للزيجات والأفضل في هذه الحالة النظر أيضًا إلى الكثير من النماذج من الزيجات الناجحة.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشاؤم ويجب على الإنسان أن يرضى بقضاء الله وقدره، فأحيانًا تكون الذنوب التي يرتكبها الإنسان والمعاصي التي يقوم بها سببًا في فشل الزواج وحصول الطلاق مثلما يكون أحيانًا بسبب الرجل فأيضًا تكون المرأة سببًا في وقوعه.
التسميات
الزواج بين الرجل والمرأة