الحقيقة التي يجب أن نعيها جيداً أن الحضارة المادية المعاصرة تحمل بين طياتها جراثيم دمارها ونهايتها وإننا إن لم نحتط أشد الحيطة لهذه الجراثيم فإن طوفان الدمار سيأخذنا معه.
فالحرية بغير حدود وقيود، والنفعية المادية التي قامت عليها فلسفة الحضارة المادية الغربية شجعت ألوان الفساد كله، ودمرت نفسية الإنسان الغربي وحياته، وجعلته يعيش عيشة الحيوان بل أحط فالشذوذ الجنسي قد بلغ معدلات وبائية، وما هو أحط من ذلك وهو اغتصاب الأطفال من ذويهم، وتعاطي المخدرات الذي بلغ إلى الأطفال في سن التاسعة، وملايين المدمنين والذين دمرتهم الخمر، وارتباط الإنسان بعجلة الإنتاج ودوامة الربا والدين، وعبودية الإنسان للمادة والآلة وامتلاكها له.
وليس بالعكس، والركض اللاهث خلف سراب السعادة والمنفعة واللذة دون إحساس بهدف الحياة وغاية الخلق، ونهاية المطاف; كل ذلك خلف الانهيار النفسي والعاطفي، وخلق هروباً جماعياً إلى الأديان الخرافية، والإيمان بالخزعبلات والترهات.
وكل هذا وغيره سيسرع بانهيار هذه الحضارة الزائفة.
وأحب أن أذكر بالحادثة الشهيرة التي حدثت في نيويورك عام 1970 يوم أطفئت الكهرباء عن المدينة ليلة واحدة فقط فكان حصيلة ذلك أن خرج من في المدينة للسلب والنهب، حتى إنه نهبت مخازن تجارية إلى آخر شيء فيها.
والعجب أنه تبين أن جميع الأعمار رجالاً ونساءاً قد اشتركوا في ذلك. وأن خمساً وعشرين ألف شرطي كانوا مكلفين بحراسة المدينة لم يداوم منهم أحد واشتركوا في النهب.
إن هذه الحادثة تفيدنا أن إنسان هذه الحضارة إنسان متوحش مهزوم من داخله وأن الذي يقيمه هو قوة القانون لا قوة الأخلاق.
ومثل هذا المجتمع الذي يفترس فيه الأب صغاره عندما يكون في أمان من القانون واستناد إلى حاجة الابن الصغير والبنت الصغيرة إلى المأوى والطعام والشراب.. مثل هذا المجتمع لا شك أنه سينهار ويدمر نفسه عند انقطاع أول خط من الخيوط التي تربط بين عناصره.
والخلاصة أن هذه الحضارة الغربية المادية النفعية العمياء حضارة غارقة، ولا يجوز أن نربط سفينتنا بها والواجب علينا أن يكون أخذنا من هذه الحضارة انتقائياً حكيماً، وأن نستقل بأنفسنا في سفينتنا الخاصة وإلا فإننا سنغرق حتماً إن ركبنا في سفينة الغرب الهاوية.
التسميات
سياسات تربوية