البوند.. حزب اشتراكي يهودي روسي كان يعارض الحركة الصهيونية معارضة شديدة

البوند
בונד (באידיש)
حزب اشتراكي يهودي روسي.
أسس سنة 1897م.
وكان لهذا الحزب أثر كبير في روسيا ما بين السنوات 1905-1920م.
كما وكان للبوند أثر في بولندا حتى الحرب العالمية الثانية.
كان عدد أعضاء هذا الحزب في روسيا سنة 1917م 40 ألفا.
والجدير بالذكر أنّ هذا الحزب كان يعارض الحركة الصهيونية معارضة شديدة.

«بوند» كلمة يديشية معناها «الاتحاد»، وهي الكلمة الأولى في عبارة «الاتحاد العام للعمال اليهود في روسيا وبولندا وليتوانيا».
وهو أهم التنظيمات الاشتراكية اليهودية في شرق أوروبا.
وقد تأسس الحزب داخل منطقة الاستيطان في مقاطعات ليتوانيا وروسيا البيضاء التي كانت تتميز بوجود عمال يهود متركزين بأعداد كبيرة نسبيا في الصناعات.
كما أن الكثافة السكانية اليهودية ككل كانت عالية إلى حد ما، الأمر الذي كان يعني عزلة اليهود عن بقية السكان.
وعقد الاجتماع التأسيسي للحزب سرا في فلنا في أكتوبر عام 1897، أي بعد مرور أقل من شهرين على انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول.
وحضر الاجتماع ثلاثة عشر مندوبا كان من بينهم ثمانية عمال.
وكان الحزب يعد أكبر الأحزاب اليهودية وأكثرها جماهيرية، فكان يضم في صفوفه جماهير يهودية يفوق عددها عدد أعضاء المنظمة الصهيونية في شرق أوروبا في العالم كله.
فقد كان عدد أعضاء حزب البوند في الفترة 1903 ـ 1905 ما بين 25و35 ألفا, وقيل إن العدد قد وصل إلى 40 ألفا عام 1905.
ويقسم تاريخ حزب البوند في العادة إلى مرحلتين.
ويمكن تقسيم المرحلة الأولى بدورها إلى فترتين, وقد سيطرت في الفترة الأولى من المرحلة الأولى عناصر ثورية من المثقفين على قيادات الحزب. ويلاحظ أن برنامج الحزب في سنواته الأولى لم يكن له توجه محلي أو يهودي واضح، فكانت قيادته ترى أنه حزب اشتراكي روسي يضطلع بمهمة التجنيد الثوري في القطاع اليهودي للطبقة العاملة.
وتقبل الحزب يهودية العمال اليهود ولغتهم اليديشية بوصفها مجرد حقائق تؤخذ في الاعتبار.
ولذا أكد الحزب في برنامجه أهمية اللغة اليديشية باعتبارها إحدى الوسائل العملية للوصول إلى الجماهير اليهودية.
ولكنه رفض من البداية أية تصورات صهيونية لقومية يهودية عالمية, وطرح بدلا من ذلك مفهوما كان يشار إليه بكلمة «دوإكييت»
اليديشية والتي تعني «هنا»، أي الاهتمام بأوضاع أعضاء الجماعة اليهودية (هنا) في شرق أوروبا خارج أي إطار يهودي عالمي وهمي.
ولذا، كان البوند يعارض التعاون مع الحركات العمالية اليهودية في البلاد الأخرى (وقد ظل الالتزام بهذا المفهوم أحد ثوابت النظرية البوندية).
بل إن حزب البوند كان يرى أن وجود حركة عمالية يهودية مستقلة هو مرحلة مؤقتة انتقالية، وأن الهدف النهائي هو الاندماج في الشعب الروسي (أو البولندي).
وفي هذا الإطار, أكد الحزب التزامه بالماركسية واهتمامه بالمصالح العامة للطبقة العاملة ككل بصفة أساسية وبالمصالح الخاصة بالعمال اليهود بالدرجة الثانية، وانضم إلى الحزب العمالي الديموقراطي الاشتراكي الروسي عام 1898، وكان البوند أحد مؤسسي هذا الحزب.
وقد كان عدد المندوبين في اللجنة التأسيسية للحزب تسعة من بينهم ثلاثة من أعضاء البوند.
وقام الحزب بنشاطات واسعة ذات طابع سياسي في صفوف العمال من أعضاء الجماعات اليهودية الذين كانت تتزايد أعدادهم بسبب تزايد معدلات التحديث الاقتصادية والتصنيع في روسيا وتعثرها من الناحية الاجتماعية مع نهاية القرن.
وأدى نجاحه في نشاطه إلى تأليب النظام الروسي القيصري ضده.
وفي هذه الآونة، كان المفكران الروسيان اليهوديان سيمون دبنوف وحاييم جيتلوسكي قد صاغا نظريتهما عن قومية الدياسبورا (أو بتعبير أدق قوميات الجماعة اليهودية، وربما أيضا: القومية اليديشية).
وتذهب هذه النظرية إلى أن ثمة ثقافات يهودية مستقلة عن بعضها البعض وعن الحضارات التي يتواجد داخلها اليهود، وأن استقلال اليهود الثقافي النسبي عن محيطهم الحضاري لا يعني ارتباطهم جميعا على مستوى يهودي عالمي.
وأكد دبنوف أن الجماعة اليهودية في شرق أوروبا (أي يهود اليديشية) لها هوية ثقافية مختلفة عن الهويات اليهودية الأخرى التي نشأت في أماكن وأزمة أخرى، وأن هذه الهوية تستحق الحفاظ عليها وتطويرها على أراض شرق أوروبا ذاتها دون الحاجة إلى الهجرة إلى فلسطين، وهي الهجرة التي كانت تتم في إطار تصور وجود هوية يهودية عالمية واحدة.
ووجدت هذه النظرية صدى لدى قيادات البوند، خصوصا أن التأكيد على الخصوصية اكتسب شيئا من الشرعية الماركسية من القرار الذي اتخذه الحزب بنيته من حزب مركزي إلى حزب فيدرالي قومي يتفق بناؤه مع التعددية القومية التي كانت تسم النمسا آنذاك.
كما أن الواقع الفعلي لكثير من أعضاء الحزب كان يؤكد أنهم أقلية قومية شرق أوروبية (يديشية) لها لغتها وهويتها الثقافية الخاصة. وقد ساهم التحديث المتعثر في ورسيا القيصرية في هذه الآونة في دعم هذه الهوية وفي تعميق كثير من أبعادها، ولعل هذا يفسر سبب ترعرع الثقافة اليديشية وازدهارها.
وقد أعلن البوند في مؤتمره الرابع عام 1901 أن اليهود يشكلون أقلية إثنية لا دينية وأن مصطلح أمة (كما هو مستخدم في ورسيا) ينطبق عليهم.
وهنا تبدأ الفترة الثانية من المرحلة الأولى, حيث دعا الحزب إلى إعادة تأسيس روسيا كاتحاد فيدرالي من القوميات مع إدارة ذاتية قومية كاملة لكل أمة دون إشارة إلى الإقليم الذي تسكنه.
ومع هذا، تقرر ألا يقوم البوند بحملة من أجل الإدارة الذاتية اليهودية حتى لا يتضخم الشعور القومي لدى أعضاء الجماعة اليهودية، الأمر الذي قد يميع الوعي الطبقي للعمال. ولكن هذا التحفظ الأخير لم يطبق، وألغي رسميا في المؤتمر السادس (عام 1905).
وكان البوند قد أكد في مؤتمره الخامس (عام 1903) حقه كممثل للعمال اليهود في أن يضيف إلى برنامج الحزب الاشتراكي الديموقراطي العام مواد لا تتعارض مع ذلك البرنامج، وتتوجه في الوقت نفسه إلى مشاكل العمال اليهود الخاصة.
واقترح البوند على مؤتمر الحزب الاشتراكي عام 1903 الاعتراف بأعضاء الجماعة كأقلية قومية روسية لها حق الإدارة الذاتية مثل بقية الأقليات.
لكن الطلب رفض، فانسحب ممثلو البوند.
ويلاحظ تذبذب البونديين بين نظرتين إلى أعضاء الطبقة العاملة من اليهود، إحداهما ترى أنهم يشكلون طبقة عاملة يهودية ذات هوية يهودية شرق أوروبية محلية أي يديشية، ولذا لا يمكن دمجها بشكل كامل في الطبقة العاملة الروسية.
ويرى الموقف الآخر (البلشفي) أن ثمة طبقة عاملة روسية، وأن العمال اليهود هم جزء لا يتجزأ منها، ومن ثم يكون حل مشكلة اليهود القومية والطبقية هو الاندماج.
ويدل تذبذب قيادة البوند على مدى ذكائهم الحضاري ومدى التصاقهم بجماهيرهم التي كانت لها هوية مستقلة آخذة في التبلور.
فهذه الجماهير كانت كتلة بشرية كبيرة تصلح أساسا لتطوير شخصية قومية شرق أوروبية يديشية مستقلة.
ولكن لأن هذه الهوية ليست متبلورة وإنما أخذة في التبلور، طرح فلاديمير ميديم (1879 ـ 1923)، أحد منظري الحزب، فكرة «الحياد» التي تذهب إلى أنه لا يمكن تحديد الشكل الذي سيحقق من خلاله أعضاء الجماعة اليهودية في شرق أوروبا بقاءهم، فهم قد يحتفظون بهويتهم وقد يندمجون في محيطهم الثقافي.
وتصبح مهمة البوند بالتالي هي أن يحارب من أجل التوصل إلى إطار سياسي يضمن حرية التطور لكل من الاتجاهين، وألا يتخذ أية خطوات من شأنها أن تساعد على الاستمرارية الإثنية أو على عمليات التذويب.
ولذا، لم تستمر القطيعة طويلا مع الحزب الديموقراطي الاشتراكي وعاد البوند إلى التحالف معه عام 1906.
وبعد أن مارس الحزب نشاطه بشكل علني بعد ثورة 1905، وسع نشاطاته ووصل إلى قطاعات كبيرة من أعضاء الطبقة العاملة من اليهود.
ولكنه بدأ ينتكس بعد عام 1908(وهي الفترة التي شهدت المد الرجعي في روسيا) حيث قبض على رؤساء الحزب وتم نفيهم, وانحصر اهتمام الحزب لبعض الوقت في الأمور الثقافية مثل اليديشية، واشترك في عدة مؤتمرات ومؤسسات ثقافية ذات طابع يهودي روسي عام مثل جمعية تنمية الثقافة بين يهود روسيا.
ورغم تأكيد البوند الهوية اليديشية، وربما بسبب هذا، نجده يقف في حزم ضد الرؤية الصهيونية للقومية اليهودية العالمية التي تضم اليهود في كل زمان ومكان.
وقد بين البوند أن المشروع الصهيوني لن يؤدي إلى حل المسألة اليهودية لأن الدولة الصهيونية لن تستوعب كل يهود العالم, كما أنها تفقد يهود العالم حقهم في المطالبة بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والمدنية حيثما وجدوا.
ذلك بالإضافة إلى أن إنشاء هذه الدولة يجعل الصراع بين اليهود والعرب أبديا، كما أن بقاءها يعتمد على رضا يهود الغرب.
وقد بين البوند أن الافتراض الصهيوني بأزلية معاداة اليهود بين الأغيار يهدف إلى تمييع الصراع الطبقي وإعاقة تطور شعور المواطنة لدى اليهود وإلى تقوية عقلية الجيتو.
وتبدأ المرحلة الثانية في تاريخ الحزب بحدوث تغيير أساسي في صفوف الحزب في تلك الآونة، إذ انسحب المثقفون من قيادته، وأصبحت أغلبية أعضائه وقياداته من العمال.
ودار التركيز على خصوصية العمال اليهود وعلى خصوصية وضعهم.
ولذالك كانت لغة المؤتمر العاشر للحزب (عام 1910) هي اليديشية، كما اتخذت قرارات تدعو إلى استخدام هذه اللغة في المدارس والمؤسسات وإلى اشتراك الحزب في انتخابات الدوما (البرلمان) لعام 1912.
وحينما حدث الانشقاق بين البولشفيك والمنشفيك، انضم البنود إلى المنشفيك لقبولهم مبدأ الإدارة الذاتية، ولأن لينين والبلاشفة بشكل عام رفضوا فهم البوند للمسألة اليهودية (أو المسألة اليديشية) ولخصوصية وضع العمال من يهود اليديشية.
وبعد اندلاع الثورة عام 1917، زادت عضوية البوند بسرعة ووصلت إلى خمسة وأربعين ألف عضو.
ولكن أعدادا كبيرة منهم انضمت إلى الحزب الشيوعي، وكون بعض أعضاء الحزب في أوكرانيا حزبا بونديا شيوعيا، ولكن أعضاءه انضموا أيضا إلى الحزب الشيوعي بعد تصاعد الهجمات ضد أعضاء الجماعة اليهودية.
وتم القضاء على ما تبقى من البوند عام 1919.
وهاجرت شرذمة صغيرة من البوند إلى برلين بعد الثورة، واستمرت في نشاطها الحزبي وأصدرت مجلة.
ولم يبق من الحزب سوى أرشيفه الذي نقل إلى جنيف عام 1927 ثم إلى باريس عام 1933.
وكانت هناك أحزاب بوند في أماكن أخرى من بينها جاليشيا ورومانيا، ولكن أهم هذه الأحزاب هو حزب البوند في بولندا الذي استقل في نشاطاته حين عزل عن روسيا نتيجة اندلاع الحرب العالمية الأولى. وقد ازداد الحزب راديكالية في بولندا، وانضم الحزبان إلى الكومنترن، الأمر الذي تسبب في قمع الحكومة لهما.
واختفى حزب البوند بين عامي 1920و1924، ولكنه حينما عاود الظهور في عام 1924 أصبح أكبر حزب عمالي يهودي في بولندا، فأصدر مجلة أسبوعية وأخرى شهرية وجريدة يومية وبلغت عضويته سبعة آلاف (ويقال 12 ألفا) إلى جانب منظمة شبابية كانت تضم عشرة آلاف عضو.
ولعب حزب البوند دورا مؤثرا في الحياة السياسية في بولندا.
فاستمر في حربه ضد الصهيونية واليهودية الأرثوذكسية، وكان يحصل على أغلبية الأصوات في انتخابات اتحادات نقابات العمال اليهود التي كانت تضم نحو تسعة وتسعين ألف عامل في عام 1939.
وساهم الحزب في تأسيس منظمة المدارس اليديشية المركزية، كما كان يسيطر على نحو 80% من كل المؤسسات التعليمية اليديشية. واستمر البوند في معارضته للعبرية.
ووصل البوند في بولندا إلى قمة نفوذه السياسي بين عامي 1936و1939، حين حصل على أغلبية أصوات اليهود في انتخابات البلديات، نظرا لأنه كان ينظم الجماهير اليهودية وغير اليهودية في الحرب ضد معاداة اليهود.
وبعد الاحتلال النازي، اشترك البوند في المقاومة ضده.
وقد تم القضاء على البوند مع تصفية معظم أعضاء الجماعة اليهودية في بولندا على يد النازيين.
ويلاحظ أن حزب البوند لا يزال له فروع في الولايات المتحدة وبريطانيا تضم كبار السن من نشطاء الحزب السابقين في بولندا وروسيا، وقد كونت البقية الباقية من أعضائه وفروعه اتحادا عالميا له هيئة تنفيذية مقرها نيويورك، وقد عقدت هذه الهيئة مؤتمرا عاما في أبريل عام 1965، والمنظمة عضو في الاشتراكية الدولية.
ولا يزال الحزب يرفض الفكر الصهيوني ويحاول أن يأخذ موقفا محايدا من الصراع العربي الإسرائيلي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال