راينر فاسبندر.. البحث وراء الظاهرة الاجتماعية سواء أكانت الصورة هي الصليب المعقوف أم شمعدان المينوراه أم النجمة المسدسة أم المطرقة والمنجل

راينر فاسبندر 1946-1982
Reiner Fassbinder

مخرج ومنتج وكاتب سينمائي ومسرحي ألماني كان طالباً منتظماً في مدرسة تجريبية في ميونيخ، لكنه ما لبث أن هجرها وعمل بالصحافة ثم تركها والتحق بالفرقة المسرحية البافارية الثورية التي تُسمَّى «مسرح الفعل».

وفي سن التاسعة عشرة، أخرج فيلمه القصير الأول «صعلوك المدينة» ليبدأ رحلة إبداعه الفني التي استمرت 17 عاماً وشملت 43 فيلماً و30 مسـرحية وعدداً هائلاً من الكتابات والتمثيليات الإذاعية كانت جميعها، تماماً مثل حياته، نموذجاً للتمرد والانطلاق والتجريب.

وقد تناول في أعماله سلبيات المجتمع الألماني بشكل خاص، والمجتمعات الغربية الحديثة بشكل عام، وما يسود هذه المجتمعات من تفكُّك وتحلُّل وإحباط نتيجة اللهاث وراء المادة وغياب أية قيمة أو معنى للحياة سوى القيم والمعاني المادية.

وكانت أغلب أعماله مثيرة للجدل، وتباينت حولها ردود أفعال النقاد، بل قد وُجِّهت له تهم معاداة اليهود والتعاطف مع الإرهاب وعدم إدانة النازية.

وقد أثارت مسرحيته المدينة والزبالة والموت (1974) ضجة صحفية كبرى داخل ألمانيا وخارجها واتُهم فاسبندر بمعاداة اليهود نظراً لأن الشرير المرابي المتعاون مع السلطة في المسرحية كان يهودياً.

وتكررت هذه التهمة مع فيلمه «ليلى مارلين» (1980) حيث توجد أيضاً شخصية اليهودي الشرير.

ولم يكن تناول فاسبندر لليهودية في أعماله من منطلق أنها عقيدة دينية وإنما من منطلق أنها نزوع إلى جمع المال والربح والصعود على أكتاف الآخرين (وهذا نمط إدراكي شائع في الأدبيات الاشتراكية الغربية).

فهو يبحث في أفلامه عن أسباب «يهودية» المجتمع (أو تهوده حسب تعبير ماركس، وهو ما نُعبِّر عنه هنا في هذه الموسوعة باصطلاح «تحوسل المجتمع»، أي تحوُّل أعضاء المجتمع إلى مجرد وسائل لخدمة أهداف يُقال لها نهائية ولكنها ليست بالضرورة إنسانية).

وعملية التهود والتحوسل هذه تؤدي إلى التفكك والتحلل والهزيمة والعنصرية ومعاداة الأجانب وهو ما نراه في أفلام مثـل «الخوف يأكل الرمح» و«لا أبغي إلا أن تحبوني» و«الروليت الصيني».
والواقع أن كل الشخصيات في أفلامه مدانة باليهودية (بالمعنى الذي سبقت الإشارة إليه).

وكل الأبطال يعانون من الشـعور بالوحـدة والعزلة والإحباط، فحـتى بعد النجاح لا يحقق المرء ذاته، والسؤال الأساسي «و ماذا بعد النجاح؟» غير مطروح في هذا المجتمـع كما يتبدَّى لنا من أحداث فيلمه «بائع الفصول الأربعة» (1971).
وفي هذا الإطار نفسه، تتعامل جميع أفلام فاسبندر مع موضوع الأسرة وانهيارها وانحلالها ثم اختفائها.

ففي فيلم «زواج ماريا براون» (1978)، وهو أول أفلامه الضخمة، يتناول قصة امرأة تزوجت لمدة عشرة أيام ثم طُلب زوجها للجيش في الحرب العالمية الثانية، ولكنها حافظت على زواجها بأمل تكوين الأسرة الناجحة، ثم فسقت وقتلت واستغلت وسرقت من أجل تحقيق حلم النجاح والاحترام وليس من أجل التوازن المفقود الذي لن يعود. 

ويبدو أن تهمة معاداة اليهود كلفت فاسبندر وظيفته وحرمته من نيل أية جائزة من جوائز المهرجانات السينمائية الكبرى (سواء في كان أو في فنيسـيا)، وكانـت الجائزة الوحـيدة التي حصل عليها من برلين عن فيلمه « فيرونيكا نوس ».

وقد رفضت لجنة المساعدة الاتحادية التي تقدم العون لإنتاج الأفلام في ألمانيا مشروعين من مشروعات فاسبندر. 

وقد أثارت أفلام فاسبندر اتهامات أخرى ضده منها أنه لا يدين النازية، فهو لا يعتبر النازية وحشاً في حد ذاته ولكنه يبحث دائماً وراء الظاهرة الاجتماعية عن الظاهرة / الرمز سواء أكانت تلك الصورة هي الصليب المعقوف أم شمعدان المينوراه أم النجمة المسدسة أم المطرقة والمنجل.

كما اتُهم بأنه مرتبط بجماعات الإرهاب نظراً لما أبداه من تعاطف في بداية فيلمه «ألمانيا في الخريف» (1977) مع أعضاء جماعة بادر ماينهوف الذين ماتوا في زنازينهم.

وقد تُوفي فاسبندر عن عمر يناهز السادسة والثلاثين بعد أن عاش حياة حافلة بالنشاط وبالإنتاج الفني والسينمائي، وكان قد اعترف قبل وفاته بأنه يتعاطى المنشطات والكوكايين ليستمر في العمل، كما اعترف بشذوذه الجنسي في فيلم « ألمانيا في الخريف ».

وفي الحقيقة، فإن اتهام فنان تجريبي حداثي مثل فاسبندر بمعاداة اليهود يُعدُّ أمراً غير مألوف، إذ أن هذا الاتهام عادةً ما يُوجَّه إلى كُتَّاب «رجعيين» أو «محافظين» يقفون ضد مُثُل التعددية والتجريب.

ومع هذا، فلابد من الإشارة إلى أن ثمة عدداً من الفنانين الحداثيين الذين أخذوا موقفاً معادياً من اليهود باعتبارهم مسئولين عن سقوط الحضارة الغربية وانهيار المجتمع.

ومن أهم هؤلاء المفكرين الشاعر عزرا باوند والشاعر وليام بتلر ييتس، كما أشار ت.س.إليوت إلى اليهودي بطريقة اعتبرها البعض معادية لليهود.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال