"إن الإسلام منهاج حياة كامل فهو ينظم حياة الإنسان في كل أطوارها ومراحلها،وفي كل علاقاتها وارتباطاتها، وفي كل حركاتها وسكناتها. ومن ثم يتولى بيان الآداب اليومية الصغيرة،كما يتولى بيان التكاليف العامة الكبيرة وينسق بينها جميعا، ويتجه بها إلى اللّه في النهاية." [1]
"فالرسول –ص– لم يترك أمراً صغيراً كان أم كبيراً يتعلق بسلوك الإنسان إلا وجعل له حكماً ورأيا، كآداب الكلام وسلوك الحديث.
فالحديث وسيلة التفاهم الأساسية بين الناس وهو مفتاح الشخصية وعنوانها والكاشف عنها،فإذا عرف الطفل أسلوب الحديث والحوار منذ الصغر فإنه سوف يكبر ويعرف كيف يُحدِّث الناس على الطريق المُثلى والتي تحمل المضمون القيّم الراقي.
إنَّ الحديث مع الآخرين في الإسلام له أصوله وآدابه، على المسلم التقيد بها إرضاءً لله عزوجل وتجنبا لسخطه وعقابه، ومن أجل هذا يبين لنا الرسول (ص) في أحاديث عدة خطورة اللسان وما يؤدي بصاحبه إلى الوقوع في الهلاك.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ (ص) فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ،فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ . قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ قَرَأَ:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}، حَتَّى بَلَغَ: {يَعْمَلُونَ}، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإِِسْلاَمُ وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللهِ .فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، فَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ قَالَ:عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟.[2]
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - ص - قَالَ «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ».[3]
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَهُ جُلُوسًا فِي السُّوقِ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَهُ شَرَفٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ لَكَ حَقًّا، وَإِنَّكَ لَتَدْخُلُ عَلَى هَؤُلاَءِ الْأُمَرَاءِ، وَتَكَلَّمُ عِنْدَهُمْ، وَإِنِّي سَمِعْتُ بِلاَلَ بْنَ الْحَارِثِ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ (ص)، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (ص)، يَقُولُ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، وَلاَ يَرَاهَا بَلَغَتْ حَيْثُ بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضَاهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لاَ يَرَاهَا بَلَغَتْ حَيْثُ بَلَغَتْ، يَكْتُبُ اللَّهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، فَانْظُرْ يَا ابْنَ أَخِي مَا تَقُولُ، وَمَا تَكَلَّمُ، فَرُبَّ كَلاَمٍ كَثِيرٍ قَدْ مَنَعَنِي مَا سَمِعْتُ مِنْ بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ.[4]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ (ص) يَقُولُ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ يَنْزِلُ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.[5]
أما آداب الحديث فهي على التالي:
(1) التمهل بالكلام أثناء الحديث حتى يفهم المستمع المراد، منه وأن يكون الحديث منظوماً مرتباً واضح المعنى ليفهم من كان جالسا. عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها أَنَّ النَّبِىَّ - (ص)- كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ.[6].
(2) "أن يحسن اختيار الألفاظ والكلمات المناسبة حتى لا ينفر المستمعين ولا يزعج الحاضرين،.... وأن يبتعد عن التصنع في الكلام والتكليف في فصاحة اللسان، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ (ص)، فِيمَا يَعْلَمُ نَافِعٌ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبْغِضُ الْبَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ، الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ، كَمَا تَخَلَّلَ الْبَاقِرَةُ بِلِسَانِهَا.[7]
(3) المخاطبة على قدر التفهم: يجب أن لا يخاطب الناس إلا على قدر عقولهم بأسلوب يتماشى وثقافة من يخاطبهم ويتفق مع عقولهم وعلى قدر فهمهم وأعمارهم. قَالَ عَلِىٌّ: حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ"[8]
(4) يجب أن لا يتكلم كثيراً وأن لا يقاطع كلام غيره، وإن سبقه أحد إلى الحديث فعليه أن لا يتدخل إلا بعد أن ينتهي، وعلى من أراد الكلام أن يستوثق من وضوح الفكرة في ذهنه، وعلى المرء أن لا يتكلم إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
(5) ألا يرفع بالكلام صوتاً مستكرهاً، ولا ينزعج له انزعاجاً مستهجنا،ولهذا أدَّب لقمان ابنه في هذا الخصوص بقوله قال تعالى حكاية عن لقمان: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (19) سورة لقمان.
وَامشِ مُقْتَصِداًَ فِي مَشْيِكَ، عَدْلاً وَسَطاً بَيْنَ البَطِيءِ المُتَثَبِّطِ، والسَّريعِ المُفْرِطِ، وَلا تُبَالِغْ فِي الكَلاَمِ، وَلا تَرْفَعَ صَوْتَكَ فِيمَا لا فَائِدَةَ مِنْهُ، وَحِينَما لاَ تَكُونَ هُنَاكَ حَاجَةٌ إِلى رَفْعِ الصَّوتِ، فَذَلِكَ يَكُونُ أَوْقَرَ لِلمُتَكَلِّمِ، وأَبْسَطَ لِنَفْسِ السَّامِعِ. ثُمَّ قَالَ لُقْمَانُ لاْبِنِهِ مُنَفِّراً إِيَّاهُ مِنْ رَفْعِ صَوْتِهِ حِينَما لاَ يَكُونُ هُنَاكَ حَاجَةً لِذلِك: إِنَّ الحِمَارَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ عِندَ النَّهِيقِ، ولكِنَّ الصَّوْتَ الذِي يَصْدُرُ عَنْهُ قَبيحٌ مُنْكَرٌ، فَلاَ يَلِيقُ بالإِنسَانِ العَاقِلِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلَ الحِمَارِ.[9]
فخفض الصوت عند محادثة الناس فيه أدب وثقة بالنفس،واطمئنان إلى صدق الحديث، ورفعه أي رفع الصوت دليل على فقدان ذلك.
وبناء على ما ذكر ينبغي على الآباء والمربين أن يعودوا أبناءهم وتلاميذهم على الالتزام بآداب الإسلام في الحديث مع الآخرين، وأن يكون الحديث بقدر ما تدعو إليه الضرورة وبشرط عدم رفع الصوت في وجه المخاطب حتى لا يكون ذلك مصدر أذى من الحديث بغير داع أو من جراء رفع الصوت.[10]
[1] - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2531)
[2] - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 350)(22016) 22366- صحيح لغيره
[3] - صحيح البخارى- المكنز - (6478 )
[4] - صحيح ابن حبان - (1 / 521) (287) صحيح
[5] - صحيح البخارى- المكنز - (6477 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7673) صحيح ابن حبان - (13 / 15)(5707).
[6] - صحيح البخارى- المكنز - (3567 )
[7] - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 603)(6543) صحيح
ثكلتك أمك أي فقدتك. ويريد إذا كنت هكذا فالموت خير لك لئلا تزداد سوءا. ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث 1/ 217.
[8] - صحيح البخارى- المكنز - (127 )
[9] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3369)
[10] -انظر معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان.
التسميات
آداب