الإجارة في القبيلة العربية.. التجاء الخليع المطرود إلى قبيلة أخرى طلباً لحماتها أو العيش في جوارها

قد يسعى الخليع أحياناً للالتجاء إلى قبيلة أخرى طلباً لحماتها، أو العيش في جوارها، وكان بعض العرب يجيرون هؤلاء الخلعاءَ، ويفخر بإجارته لهم، لان ذلك دليل على شرفه ونبله، فضلاً عن شجاعته وقوته، لما تتطلبه تلك الإجارة من حصانة وحماية تجاه أقوام، قد يكونون ذوي قوة وعدد، يطالبون بالخليع لجرائره فيهم، وجناياته عليهم، وبلغ ببعض الأشراف الأمر أن يجعل منزلاً خاصاً، ينزل به أولئك الخلعاءُ، فيضحون في جواره وحمايته، كما كان شأن الزبير بن عبد المطلب، الذي كان له بمكة مكانٌ خاصٌّ ينزل فيه الخلعاء.([1]).

وقد ظهر من الخلعاء شعراءُ عبّروا عن صدق مشاعرهم وعظيم امتنانهم تجاه مَنْ أجاروهم، بعد طَرْد قبائلهم لهم. وكان من ابرز هؤلاء قيسُ بن الحُدّادية الذي تبرأ منه قومُهُ بنو خزاعة، وأشهروا خلعه بسوق عكاظ ، فلجأ إلى جوار بني عدي بن عمرو، فآووه، وأحسنوا إليه، وقال يمدحهم ،واصفاً مروءتهم ، وشجاعتهم، ومقامهم لديه، مقام الأهل والأقرباء ([2]):

جزى الله خيراً عن خليع مطرد -- رجالاً حموْه آل عمرو بن خالد
فليس كمن  يغزو الصديقَ بنوكِهِ -- وهمته في الغزو كسب المزاود
وقد حدبـت عمرو علي بعزها -- وأبنائهـا فـي كل أروع ماجد
مصاليتُ يوم الرّوع كسبُهُمُ العلا -- عظام مقيل الهام شعر السواعد
أولئك إخواني  وجل عشيرتـي -- وثروتهم والنصر غير المحارد

أما إذا استمر الخليع بارتكاب الجنايات في جوار القوم الذين التجأ إليهم، فانهم عندئذ يخلعونه هم أيضا ، ويرفعون عنه حمايتهم. ويعلنون ذلك على الملأ، ومصداق ذلك البراض بن رافع الكناني، كان قد خلعه قومه ونبذوه، فالتجأ إلى جوار بني سهم،" فعدا على رجل من هذيل فقتله. فجاء بنو هذيل إلى بني سهم يطلبونه بدم صاحبهم، فقال بنو سهم: قد خلعناه وتبرأنا من جرائره. فقالت هذيل: من يعرف هذا؟ قال العاص بن وائل: أنا خلعته كما يخلع الكلب، فسكت الهذليون([3]).

أما موقف الشاعر من قبيلته بعد خلعها له، فانه كان موقف الناقم الذي يتحين فرصة ينقضّ فيها للثأر منها، والانتقام لما لحقه من ضيم وإهانة.

وقلّ أن نجد من الشعراء الخلعاء مَنْ كان يبقى محباً لقومه، ميالاً إليهم، على الرغم من طردهم له، كما هو الشأن لدى السليك بن السلكة، الذي كان يتجنب الإغارة على قبيلته، بل كان في بعض الأحيان ، يحذرها من إغارة الأعداء عليها([4]).

[1]- ابن قتيبة: الشعر والشعراء، تحقيق اخمد محمد شاكر،1/388
[2]- ابو الفرج الاصفهاني: الاغاني، 14/135.
[3]- ابن حبيب: المحبر، 195
[4] - البغدادي: خزانة الأدب 3/346
أحدث أقدم

نموذج الاتصال