إنك تصف ابنك الذي على أعتاب المراهقة وصفًا دقيقًا.. ونحن لم نتعجب مما تصفه أو نجد فيه شيئًا شاذًّا أو غريبًا.. إنها مرحلة المراهقة أيها الأب الكريم التي يعبر فيها ابنك عن ذاته ويريد أن يثبتها؛ فترى منه الأمور التي تصفها بالتطرف والتناقض.. إنه في بداية مرحلة من الحيرة لم يثبت فيها على شيء. فيفعل الشيء ونقيضه ويرفض السيطرة في صورة ما تصفه في رسالتك لحقوق الوالدين وما هو بحقوق، ولكنها الرغبة في أن يعلن: أنني هنا صاحب رأي وذات مستقلة.. وهو في نفس الوقت غير قادر على ذلك؛ لأن تجاربه وقدراته لا تسعفه.
والأب الماهر هو الذي يعطي الفرصة لهذا المراهق في أن يبدي رأيه، ويثبت ذاته ولا يشعره بعجزه، بل بالعكس يقدم له العون بطريق غير مباشر، وإليك هذه المحطات التي تعينك في تعاملك مع ابنك.
1 - ستجده مهتمًّا بمظهره وبشكل جسمه، وربما يميل للبس الغريب من الثياب أو التقاليع، فلا تصطدم به وحاول أن تفهم دوافعه، ولا تصطدم به، وتجاوز معه الحديث عن علاقة مظهر الإنسان بجوهره، وقدم له الأمثلة عن أهمية جوهر الإنسان، وما يقوم به من جهد وعمل في ظهور صورته أمام الناس، وليكن ذلك بدون ربط مباشر بمسألة ملابسه.. ولا يكن نقدك حادًّا وساخرًا لمظهره، ولكن افتح حوارًا مفتوحًا؛ تكن فيه متسلحًا بالحجج والبراهين.
2 - ستجده شديد النقد لكل ما حوله رافضًا لكل شيء، فلا تتحداه بقولك: أرني ماذا فعلت؟ ولكن قل له: نعم أنا معك فيما تنقده فما رأيك في كيفية إصلاحه؟ وحاول معاونته بتقديم البدائل له؛ حتى يبدو وكأنه هو الذي وصل إلى الحل الصحيح، ثم تعاون معه في تنفيذ التغيير المطلوب، وقدِّم له الشكر والحفز في كل خطوة حتى يشعر بالثقة بنفسه وفيك؛ فيزداد اقترابه منك.
3 - إن المدخل العاطفي هو أقوى المداخل في هذه السن؛ فأظهر له الحب والتقدير والاحترام؛ تحصل منه على كل ما تريد، ويكون ذلك بأن تشعره بأنك تعتمد عليه في بعض المهام الصعبة، وأن ذلك نتيجة لثقتك به وبقدراته؛ فيشعر بالانتماء، وتصرفك معه دليل على الحب؛ فتتحرك عواطفه ويذعن إلى ما تقول من باب الحب؛ لأنه لا يريد أن يفقد من يحب، وهذه من أعظم صور النجاح التي يستطيع الأب والأم أن يصلا بها مع ابنهما وابنتهما المراهقة.
4 - أعطه حرية الاختيار في أمور حياته المختلفة، وبالذات في أموره الدينية والعبادية؛ فيشعر أنه ينتمي إلى هذا الدين باختياره وبمحض إرادته وليس تابعًا لأحد أو خضوعًا لتوجيه صورة السيطرة الممثلة في أمه وأبيه، بل هو أمر اختاره بنفسه، ويتحرك فيه بإرادته؛ فتقوى همته في الطريق إلى الله.
5 - نختم بأن مسألة المراهقة والتعامل معها أمر طويل وكبير، ولكننا نوجزه في كلمة واحدة هي: "الصداقة"، وإنها مصداق لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يذكره في المراهقة، ولكنه ينطبق على حال الآباء والأمهات في تعاملهم مع أبنائهم في هذه السن الخطيرة، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثلي ومثلكم مثل رجل انسلت منه دابته؛ فجعل الناس يسعون وراءها، وهي تسعى، فجاء صاحب الدابة وقال: خلوا بيني وبين دابتي، وجاء بشيء من خشاش الأرض فقدمه إليها فجاءت طائعة مختارة" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إننا أصحاب الدابة في هذا الحديث لو سعينا وراء أبنائنا بالرفض والهجوم والنقد الدائم لتصرفاتهم لانصرفوا عنا وهربوا من أمامنا، في حين إننا نستطيع أن نملك قلوبهم ونفوسهم بالشيء الهين القليل من خشاش الأرض بالحب والتقدير والمصاحبة؛ فنجدهم وقد أصبحوا طوع أيدينا بسلطان الحب وليس بسلطان القهر.. بالمحاورة الذكية الصبورة.
وأيضًا في هذا المقام نذكر هذا الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يواجهه بطلب أظننا لا نتخيل أن أحدًا من أبنائنا اليوم يستطيع أن يواجهنا به، لقد جاء هذا الشاب إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقال له: ائذن لي في الزنى يا رسول الله! فماذا فعل الرسول؟ لقد فعل ما يجب أن يفعله كل أب مع ابنه المراهق.. قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ادنُ" أي اقترب.. فقربه إليه أولاً، وهذا ما يجب أن يفعله كل أب وأم، أن يقتربا من ابنهما المراهق، وأن يعبرا على ذلك ولا يفقدا الأمل بسرعة، ثم أدار النبي -صلى الله عليه وسلم- حوارًا يعتمد على المنطق مع هذا الشاب، ولم يزجره ويسخر منه أو يطرده ويقول له كلمة مقتضبة، بل أطال معه الحديث، وهو يقول له: "أترضاه لأمك؟"، والشاب يقول: لا، بأبي وأمي أنت يا رسول الله.
"أترضاه لأختك؟" "أترضاه لعمتك؟"، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "وكذلك الناس لا يرضونه".
وبعد الحوار تأتي المرحلة الأخيرة والرسول صلى الله عليه وسلم يضع يده على صدر هذا الشاب يدعو له بأن يطهر قلبه. وهذا سلاحنا الأهم في تربيتنا لأولادنا بصورة عامة وفي تعاملنا مع أبنائنا المراهقين بصفة خاصة، يجب ألا ننسى الدعاء لهم، والاستعانة بالله تعالى في ذلك، وليكن لساننا ولسان حالنا دائمًا يقول: "رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا".
التسميات
مراهقة