تاريخ الأمازيغ الخوارج في نفوسة.. تأسيس أول إمارة إباضية بشمال إفريقيا والاعتراف بشرعية الدولة الرستمية

تبتدئ مرحلة الأمازيغ الخوارج في نفوسة بعد أن اعتنقت أغلب القبائل الامازيغبة المنتشرة ببرقة وبطرابلس ومن بينها نفوسة المذهب الخارجي وولوا على رأسهم أبا الخطاب عبد الأعلى بن سماح المعافري وعينوه أمير للدفاع وللدعوة.

ويعتبر أبا الخطاب من بين خملة العلم الخمسة الذين دخلوا المغرب لنشر المذهب والدعوة إلى تأسيس إمارات غير قرشية والتحريض على الخروج على ولاة بني أمية لان خرجوا عن الإطار الديني للإمامة.

وتمكنت هده القبائل بفعل تماسكها المذهبي ونسق تحالفاتها المحلية الممتدة في التاريخ ما قبل الإسلامي وبالضبط إلى مرحلة الغزو الروماني الالتفاف حول أبي الخطاب والقيام بتأسيس أول إمارة إباضية بالمنطقة وذلك في النصف الأول من القرن الثالث للهجرة.

فبسطت نفوذها على المنطقة الممتدة من الحدود الشرقية للجزائر إلى التخوم العربية لمصر واتخذت مدينة طرابلس عاصمة لها وهذا ما يكشف عن الدور الذي لعبته القبائل الامازيغية الليبية وخاصة نفوسة في تشكيل هذه الإمارة.

لكن بعد أربع سنوات فقط من تأسيسها، نجح الجيش العباسي برئاسة محمد بن الاشعت الخزاعي من وضع حد لها بعد هزيمة قاسية بمعركة الخطاب.

وقد كان لهذه المعركة وقع كبير في نفوس الاباظيين وعملت على التفعيل في غرس البذور الأولى لتكون أول مدرسة تاريخية إباظية بالشمال الإفريقي استهدفت أساسا إدماج قاعدتها الإجتماعية المتمثلة في الأمازيغ داخل المنظومة الخطابية الدينية والذي وضع أسسها هو ابن سلام الإباظي وقد كتب مؤلفه الهام مباشرة بعد الهزيمة.

ورغم جسامة الخسائر المادية والبشرية فلم تأن من عزيمة الحركات الإباظية الأمازيغية، فانتظمت من جديد وراء إمام آخر هو أبو حاتم المزوزي أعلنت تأسيس إمارة إباظية بطرابلس لكنها وكسابقتها لم تتوفر على المجهود الكافي والإمكانيات الأساسية للصمود أمام الاستعداد الذي أبداه العباسيون للسيطرة على الطرق المؤدية إلى القيروان مقر إقامة خلفائهم بإفريقية. فتمكنوا بعد معارك متواصلة من القضاء النهائي على التشكيلات السياسية للإباظيين بمنطقة طرابلس وذلك سنة 155 للهجرة.

ولم تجد القبائل المتمسكة بمبادئ مذهبها غير النزوح إلى المناطق الهامشية بالجبل وبالصحراء الليبية أو بالمناطق البعيدة في المغرب الأوسط.

وقد كان هذا النزوح وراء هذا الاستقرار النهائي للقبائل الامازيغية ببعض المناطق كجبل نفوسة مثلا والقيام بتأسيس إمارات مستقلة تميزت منها عل الخصوص إمارات الجبل، وإمارة بنو الخطاب بزويلة وإمارة الرسطميين بتاهارت.

ونظرا لموقع نفوسة الاستراتيجي المشرف على الطريق الساحلية الرابطة بين الشرق وافريقية ومراقبتها لما يجري بطرابلس الغرب، فقد كانت تقوم بين الفينة والأخرى بدعم بعض الدول أو الأسر للحفاظ على مكانتها أو دعم محاولتها للوصول إلى الحكم.

وهكذا وبعد أن ساندوا واعترفوا بالشرعية الدينية للإمارة الرستمية بتاهرت بوسط الجزائر (777-909 للميلاد) ويدل على هذا كثر العلماء بالبلاط الرستمي والذي يشكل استمرارا للتحالف الأصلي بين كل القبائل والفئات الإباظية، سارعوا بالانضمام إلى التحالف المحلي للإطاحة بحكم العباس بن طولون على طرابلس التي سيطر عليها بعد انشقاقه عن أبيه القائم بأمر القيروان وذلك سنة 267 للهجرة.

وقد كان على رأس نفوسة في ذلك الوقت الأمير أبي منصور إلياس الذي شهد له المؤرخون كابن خلدون وابن الأثير على درجة من التعفف والزهد جعلته يأمر جنوده أن لا يغنموا شيئا من أموال عباس بعد اندحاره.

وقد كان لموقعهم الاستراتيجي كذلك وتمسكهم بتمييزهم المذهبي عن الارتدوكسيا المالكية المهيمنة دور في تعرضهم المستمر لهجمات متكررة من الدول المتعاقبة على الحكم بافريقية. وقد سجل التاريخ مجموعة منها، رغم نجاحها النسبي في كسر شوكة النفوسيين إلا أنها لم تستطع أن تزعزع البنى الإجتماعية والمذهبية التي يقوم عليها اساسهم المجتمعي والديني.

هكذا تعرضوا في نهاية القرن التاسع الميلادي لحملات أغالبة الذين حاولوا بإضعافهم لقوة النفوسيين الحد من تطور الانتشار المجالي والسياسي للرستميين واهم هذه المعارك معركة مانو التي مني فيها النفوسيين سنة 283-897 بهزيمة قاسية مازالت الذاكرة الشفوية تحتفظ بآثارها السلبية وهول الفاجعة.

وقد سار على نفس المنوال أسياد أفريقية الجدد أخص الفاطميون الذين دخلوا في صراع مع النفوسيين.

وتورد أحد الإخباريات المحلية أن المعز لدين الله الفاطمي قال لاحد الأئمة القائمين عليه بتونس وذلك في أيام الأمير ابي زكريا النفوسي: "تعالوا لنصطلح ليبقى لكم الأمر فيما بين تيهرت والجريد والجبل كما كنتم في مدة بني رستم ملوككم ويبقى لنا شطر البحر".

وقد حدث هذا بعد أن حاول العبيديون اكثر من مرة إخضاع الجبل ولم يفلحوا في ذلك، وقد شارك النفوسييون في الثورة الكارثية التي قادها أبو يزيد المخلد بن كيداد اليفرني ضد الفاطميين التي انتهت بالفشل وكانت وراء انتقامات متوالية التي خلفت دمار اهم المراكز العمرانية بالجبل الذي يشكله شروس ووضعت بذلك النقطة النهائية للطموحات الخارجية لتشكيل امامة للمسلمين أرغمتهم على التموقع في حلقات سياسية ودينية مستقلة على هامش الدولة المسيطرة على التاريخ السياسي لشمال افريقيا.

واكتفوا أخيرا بمساندة الحركات التي يرون فائدة في تحكمها على مدينة طرابلس كما وقع مع الأسرة الامازيغية االزناتية بنو حزروم التي كانت للنفوسيين اليد الطولى في قيامها لمدة تناهز القرن (1000-1095).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال