افتتاحية النص الروائي.. إدخال القارئ في عالم الرواية التخييلي بإعطائه الخلفية العامة

افتتاحية النص الروائي:

افتتاحية النص الروائي هي الجزء الأول من النص، الذي يُقدم فيه الكاتب الشخصيات الرئيسية، والمكان، والزمان، والحبكة الرئيسية للقصة. وعادة ما تكون افتتاحية النص الروائي قصيرة نسبيًا، ولكنها تلعب دورًا مهمًا في جذب القارئ وإثارة اهتمامه بالقصة.

عناصر افتتاحية النص الروائي:

هناك العديد من الطرق المختلفة لكتابة افتتاحية نص روائي، ولكن هناك بعض العناصر الأساسية التي يجب أن تتضمنها كل افتتاحية ناجحة. وتشمل هذه العناصر:

- مقدمة جذابة:

يجب أن تجذب افتتاحية النص الروائي القارئ وتثير اهتمامه بالقصة. ويمكن القيام بذلك من خلال استخدام أسلوب كتابة قوي، أو طرح سؤال أو معضلة، أو تقديم شخصية أو مشهد مثير للاهتمام.

- تقديم الشخصيات الرئيسية:

يجب أن توضح افتتاحية النص الروائي الشخصيات الرئيسية للقصة، بما في ذلك أسمائهم، وأعمارهم، وشخصياتهم، وأهدافهم. ويمكن القيام بذلك من خلال وصفهم بوضوح، أو من خلال إظهارهم وهم يفعلون أو يقولون شيئًا يكشف عن شخصياتهم.

- تقديم المكان والزمان:

يجب أن توضح افتتاحية النص الروائي المكان والزمان الذي تدور فيه أحداث القصة. ويمكن القيام بذلك من خلال وصف المكان والزمان بوضوح، أو من خلال إظهار كيف يؤثران على الشخصيات والأحداث.

- تقديم الحبكة الرئيسية:

يجب أن توضح افتتاحية النص الروائي الحبكة الرئيسية للقصة، أي القضية أو الحدث الذي تدور حوله القصة. ويمكن القيام بذلك من خلال طرح سؤال أو معضلة، أو من خلال تقديم مشهد يثير الفضول حول ما سيحدث بعد ذلك.

أمثلة لافتتاحيات نصوص روائية:

فيما يلي بعض الأمثلة على افتتاحيات نصوص روائية ناجحة:
  • "في الربع الأخير من القرن العشرين، ظهرت فتاة صغيرة في قرية صغيرة في فرنسا. كانت تسمى آنا، وكانت شقراء ذات عيون زرقاء كبيرة. كانت تحب القراءة واللعب في الغابة، وكانت تحلم دائمًا بالسفر إلى العالم." - رواية "آن فرانك: يوميات فتاة صغيرة" للكاتبة آن فرانك.
  • "كان الظلام شديدًا بحيث لا يمكن رؤية أي شيء. كان الهواء باردًا ونديًا. كانت الرياح تهب بقوة، وكانت الأشجار تتأرجح بعنف. في وسط الظلام، كان هناك رجل يسير بمفرده." - رواية "الرجل الخفي" للكاتب هارولد روبن.
  • "في صباح أحد الأيام، استيقظت ليلي لتجد أن زوجها قد اختفى. لم يكن هناك أي أثر له، ولم يكن هناك أي إشارة إلى ما حدث له. كانت ليلي خائفة ومرتبكة، وبدأت في البحث عنه." - رواية "الزوجة المفقودة" للكاتبة جين هان.
هذه مجرد أمثلة قليلة، وهناك العديد من الطرق الأخرى لكتابة افتتاحية نص روائي ناجحة.

إدخال القارئ في عالم الرواية:

إن الافتتاحية تقدم بعض الثيمات التي ستتطور فيما بعد، وأن لها وظيفة أخرى هي إدخال القارئ في عالم الرواية التخييلي بإعطائه الخلفية العامة.
وبما أن (الافتتاحية) تتكون من عنصرين هما: الماضي والمكان، فإن الواقعيين قد خصصوا صفحات طويلة في بدايات رواياتهم لوصف المكان وتقديم الماضي.
فبدأوا في لحظة من لحظات حياة الشخصية، ثم عادوا إلى الوراء لسنوات طويلة، لإعطاء القارئ الخلفية اللازمة.

افتتاحيات نجيب محفوظ:

وكذلك فعل نجيب محفوظ، فقد امتدت افتتاحية (بين القصرين) مائة وأربع صفحات، أو خمس الرواية تقريباً، بينما اقتصرت افتتاحية (قصر الشوق) على نصف هذا العدد من الصفحات (54 صفحة)، في حين اكتفى بثماني عشرة صفحة لتقديم (السكّرية) حيث أصبحت الأمكنة والشخصيات معروفة، وماضي الجزء الثاني هو الجزء الأول، وماضي الجزء الثالث هو الجزء الثاني.

رواية تيار الوعي:

وبينما تمثل (الافتتاحية) في الرواية الواقعية جزءاً هاماً يترتب عليه مسار القص وتطوّره، فإن كتّاب رواية (تيار الوعي) قد استغنوا عنها، لأن الماضي في رواياتهم أصبح جزءاً من الحاضر، فهو منسوج في ذاكرة الشخصية، ومخزون فيها، تستدعيه اللحظة الحاضرة على غير نظام أو ترتيب، ولذلك لا تكتمل الأحداث في تسلسلها الزمني إلا في نهاية القراءة، حيث يُعاد ترتيبها في مخيلة القارئ.

البحث عن الزمن الضائع:

وقد لاحظ جيرار جينيت أن بروست لا يكتفي بافتتاحية واحدة في (البحث عن الزمن الضائع) فعنده تؤدي الافتتاحية الأولى إلى ثانية، والثانية إلى ثالثة.
ولا يبدأ البحث عن الزمن الضائع مساره الانسيابي إلا بعد الافتتاحية السادسة.
وهذا من قبيل توالد القص بعضه من بعض.
وقد وُجدتْ هذه الظاهرات لدى فلوبير في روايته (مدام بوفاري)، ولدى نجيب محفوظ في (بين القصرين)، ولدى جلزورذي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال