الذات الكاتبة في الرواية واللا-اندماج الماقبل- سردي.. تسخير الجهات السردية والخطابية في صوغ الخطاب الروائي

بين الثقافي والطبيعي يتصعد الصراع على جميع المستويات فالفرد (الذات) يكون مجبرا على جميع المستويات (سواء أكانت اقتصادية، سياسية، ثقافية...) مدعوا أو مجبرا على ترهين وتحقيق مايسمح التفكير فيه، أي ترهين الإمكانات المسموح التفكير بها، وترك ما لايسمح التفكير فيه وكل خرق Transgression لما يجب فعله يجازى Sanction بالعقاب في هذا الإطار نستحضر أطروحة الدكتور عبد الفتاح كيليطو حول المقامات.

إن كليطو -وبطرحه لمفهوم النص الثقافي الذي يستعيره من حقل السيميائيات الثقافية الروسية، سعى إلى إبراز دور هذا النص في تحديد الإمكانات التي ينبغي التفكير فيها وتلك التي لاينبغي الاقتراب منها.

من هذا المنطلق نفهم موقف ابن الخشاب كنموذج للمثقف التقليدي اتجاه مقامات الحريري، ذلك أن إبداع مخلوقات أو كائنات من ورق على حد تعبير رولان بارت أثار غيض ابن الخشاب، نظرا إلى الخلفية التيولوجية التي كان وراءها الإسلام (الأرتدوكسي) الذي حرم وعلى غرار-المسرح- التخييل لما في ذلك من خلقCréation، لكائنات الله وحده هو الخالق، طبعا وهي رؤية سترتها السلفية الحديثة عندما، وتحت ظروف تاريخية، وقفت موقفا معاديا لبروز الرواية كجنس أدبي في المجتمعات العربية.

في هذا الإطار يمكن القول إن الصراع كان قائما بين الحريري كمثقف والشفرة الثقافية التي كانت تحرم إبداع قصص سردية يتحول داخلها المؤلف إلى "إله" يقلم أظافره في الخفاء ويعاين الأحداث عن كتب".

إن الإشارة إلى الذات الكاتبة (المتلفظ) باعتبارها محفل الإنتاج السيميائية معناه الإشارة إلى ذات مفكرة ترتبط بناء على مفهوم اللااندماج Débrayage بما يسميه فلاد ميركريزنسكي باللا-اندماج الماقبل-سردي حيث يتموقع المؤلف كذات كاتبة قبل أن يختار بنياته السردية والخطابية.

فإذا كان تأسيس الراوي أو الرواة ينهض على ما يسميه كريماص باللا-اندماج العاملي فإن تأسيس المؤلف كذات خارج-نصية الماقبل–اللا-اندماج العاملي Le pré-débrayage actantiel باعتباره محفلا يحيل إلى الفضاء المعرفي الذي ينكتب داخله المنظور القيمي Perspective axéologie للمؤلف، قبل أن يختار البنيات السردية التي تشكل مرتكزا لفعله السردي.

فبين المؤلف وأشكاله السردية هناك رابطة الضرورة الجدلية والتي يمكن إماطة اللئام عنها شريطة أن تفهمها-أي الرابطة- في علاقتها برؤية عالم المؤلف والميتا-نصية.

إن الميتا-نص، كما يرى كريزنسكي، هو المكان الفسيح الذي تتشكل داخله الميتا-لغة، إذ يثبت تطور الروايات المعاصرة بأن نمو العديد من الروايات يصاحب بنمو مواز لتعليقات أو ميتا-نصات الروائيين أنفسهم ليس فقط حول نصوصهم ولكن أيضا حول كل معضلة تتصل بتشكيل قيمهم الاستيطيقية الاجتماعية والفلسفية.

وهكذا فإن انساق الرواة الظاهرة والمشكلة نصيا تحيل إلى أنساق المؤلفين القيمية: فإلى جانب نسق دوستويفسكي هناك نسق توماس مان، وفلوبير، وبروخ، وميزيل، وجويس، وكافكا، وعليه فإن نسق المؤلف يمكن أن يصاغ، ويتشكل في محاور استبدالية Paradigmatique ومقولات وجهات سردية وبنيات عاملية.

يتحول المؤلف إلى راوسيميائي يسخر Manipulation الجهات السردية والخطابية التي يتوسل بها في صوغ خطابه مخضعا إياها لاستثمار ذاتي investissement subjectif، فمن خلال تسخير ميتا-لغة الرواية (شخوص، زمان، مكان، الفصول، الفقرات، الرؤية السردية...) يستثمر الروائي المؤلف بإشكاليته الذاتية، ويصبح كل بحث عن خصوصية النص، بحث عن التجليات الذاتية للمؤلف داخل النص الذي يصوغه من خلال اشتغاله على مستويات النص الروائي متحولا بذلك إلى ذكاء مركزي intelligence centrale.

تبدو الذات المتلفظة، إذن، نقطة تمفصل بين سيميائيات العالم وسيميائيات تنتجها داخل الملفوظ-الخطاب في مواجهة الأنت.
وبما أن الذات الخطابية تشكل خطابها انطلاقا مما عليه نفسيا واجتماعيا، وانطلاقا من رؤاها الدالة للعالم الطبيعي، فإن هذا الخطاب يسعى بدوره نحو تحوير "الواقع" و(السياق الإثنوغرافي) الذي يجد فيه المتلفظ إطار تحققه.

إن كلود كلام وهو يشير إلى أن الذات الخطابية تشكل خطابها انطلاقا مما عليه نفسيا واجتماعيا، يعرف تمام المعرفة، بأن بنية هذه الذات العميقة لايمكن تجاهلها في قراءة النص الذي تنتجه.

أولا: لأن هذه الذات هي "كيان" يخضع لمواصفات مايسميه هرمان بروخ أسلوب العصر Le style de l'époque الذي يؤطر ثقافته ووعيه الإيديولوجي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال