بالنسبة للأساس الاجتماعي والثقافي للجانسينية فيلاحظ غولدمان أن النتاج الفكري والأدبي في مجتمع ما يجب أن يكون نتيجة لوعي طبقي معين. ولهذا فهو يبدأ بتحليل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للطبقة التي نشأت الجانسينية في أحضانها، كي يتمكن ـ بعد ذلك ـ من تحليل رؤية هذه الطبقة للعالم. فينتهي إلى أن ملوك فرنسا بعد عصر النهضة، ولاسيما منهم لويس الرابع عشر قد لجؤوا إلى المجالس النيابية المرتكزة على الطبقة البورجوازية الصاعدة، ليخففوا من نفوذ الأشراف والإقطاعيين والطبقة الأرستقراطية.
وقد قدمت البورجوازية في المجالس النيابية مجموعة من رجال القانون وضباط الجيش الذين لعبوا دوراً سياسياً وإدارياً مهماً. ومكافأة لهم فقد اعتُبروا (نبلاء الرداء)، وبهم كسر الملوك شوكة الأرستقراطيين (نبلاء البلاط). لكن الملكية المطلقة رغبت في ترسيخ سلطتها المركزية فعمدت إلى تشكيل إدارة ملكية جديدة قامت على أكتاف نبلاء البلاط، فوجد (نبلاء الرداء) أنفسهم مبعدين عن المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاجتماعية. ورداً على إقصائهم هذا فقد بدؤوا بتشكيل مجموعة فكرية ثقافية دينية تمركزت في دير (بور رويال) في باريس، واعتنقت إيديولوجيا استحالة تحقيق حياة سعيدة في هذا العالم القائم على الغدر ونكران الجميل. وبما أن أتباع هذه المجموعة كانوا نزيهين أخلاقياً، فإنهم رفضوا التورّط في التآمر والانتهازية، ووجدوا أن أفضل حلّ لهم هو الابتعاد عن الحياة السياسية، إذ يستحيل ـ في نظرهم ـ أن يبقى الإنسان نزيهاً وشريفاً في عالم السياسة.
التسميات
لوسيان غولدمان