مسرحية ديوان الزنج.. الحدث الدرامي المتصل بمجلس الزنج وهو يتدارس قضايا مصيرية تتعلق بالحرب والسلم ويحاول التفاوض وإعادة الاتفاق مع وفد بني العباس بخصوص أمور خلافية كثيرة

تقوم مسرحية "ديوان الزنج" على أساس  مسرحة التاريخ وتأمل هذه المسرحة في الآن نفسه.

لذا، يتمفصل النص عبر أركاحه الثلاثة إلى مستويات مختلفة من التشخيص: أولها درامي ينبني على حدث مسرحي، وثانيها ميتامسرحي يسائل من خلاله الكاتب قضايا مسرحية مختلفة، وثالثها سردي يقوم على الرواية التاريخية.

يمكن القول إننا أمام نص تحكمه بنية جدلية تتضمن أطروحة ونقيضها ثم تركيبا نهائيا لها.
يجسد الأطروحة الحدث الدرامي المتصل بمجلس الزنج وهو يتدارس قضايا مصيرية تتعلق  بالحرب والسلم، ويحاول التفاوض وإعادة الاتفاق مع وفد بني العباس بخصوص أمور خلافية كثيرة.

بمعنى أن الأطروحة هي، في الواقع، عرض حدث تاريخي وفق وجهة نظر محددة هي وجهة نظر مؤلف الديوان، وهو ما يؤكده هو نفسه عندما يتدخل مباشرة في الركح الثاني:
"الكاتب عند نهاية العمل الدرامي في الركح الأول:
هكذا قرأت تاريخ ثورة الزنج. وإني لم أعلق عليها تعيلقا شخصيا. فكل قصد ظاهر أو خاف لا وجود له إلا في ذهن المتفرج. إني بريء من كل زيغ.
إني بريء من كل تحريف. إني بريء من كل تأويل".

هذا المنظور التاريخي المجسد مسرحيا يجد نقيضه في الرواية التاريخية لثورة الزنج على لسان الطبري مؤلف "تاريخ الرسل والملوك" الذي سيقدم صورة مخالفة تماما عن الزنج وعن زعيمهم علي بن محمد الذي يصف ثورته بـ"فتنة الخبيث الخائن".

إلا أن مشاهدة العمل الدرامي الذي يشخص ثورة الزنج مسرحيا، سرعان ما سيتمخض عنها تركيب جديد هو عبارة عن وجهة نظر تصحيحية يتبناها الطبري ويعلن عن ضرورة مراجعة التاريخ من جديد:
"أبو جعفر بن جرير الطبري: (عند انتهاء العمل الدرامي في الركح الأول)
لقد عدت من سباخ البصرة وراعني ما شاهدته.
وإني لمراجع ما كتبته في تاريخ الرسل الملوك في شأن ثورة الزنج. أيها الناس أنصتوا يرحمكم الله لا تعتمدوا كتابي.
إني غالط فثورة الزنج لم تكن فتنة وعلي بن محمد لم يكن خارجيا.
وعملة السباخ لم يكونوا عبيدا.
راجعوا التاريخ! راجعوا التراث! رب أنعمت فزد".

إن مسرحة التاريخ في الديوان ليست هدفا في ذاتها، وإنما هي ذريعة فقط قصد التأمل وإعادة التفكير في الكيفية التي يتم بها التعامل مع التراث والتاريخ.

من ثم، فالديوان يقوم على آلية الهدم والبناء، أي هدم منظور تاريخي شوه ثورة الزنج واعتبرها فتنة، وبناء منظور بديل بأدوات مسرحية يسندها وعي فكري يصحح المنظور الأول.

لقد جعلنا هذا الوضع أمام بناءين مسرحيين: بناء حدثي تشخيصي، وآخر تأملي مفكر في الأول، أي ميتامسرحي.
وكلا البناءين مؤسس على قاعدة الاستطراد.

إلا أن الملاحظ أنه يتخذ فيهما مظاهر مختلفة تتصل بالوظيفة المنوطة به إما في السياق الحدثي أو في السياق التأملي.
ففـي الركـح الأول يتـم التأشيـر على الاستطراد نصيا، مع التنصيص علـى وظيفته المشهدية أو التواصلية.

في الحالة الأولى يشكل الاستطراد نوعا من الاستذكار أو الومضة الاسترجاعية التي تم تشخيصها عبر مشهد تمثيلي مضاعف يستعيد عهد الدعوة وإنشاء مجلس ثورة الزنج في السر.

وعليه، فالاستطراد هنا ارتبط بنوع من التمسرح المضاعف.
وفي الحالة الثانية اتخذ وظيفة تواصلية حيث أسند إليه نفس الدور التقديمي الذي يناط عادة بالتقديم في المسرحية التقليدية.

لقد استعمل كوسيلة لتقديم الوفد الرسمي العباسي الذي جاء من أجل التفاوض مع الزنج، إلى الجمهور.
والملاحظ هنا، أن المؤلف نفسه هو الذي اضطلع بمهمة التقديم هاته.

فالمسرحية تؤكد أن كاتبها منخرط في الحدث المسرحي وفي عملية التفكير في هذا الحدث، في آن واحد.
لهذا، فهو يتخذ موقع المؤلف - الملحمي بالمعنى الذي تحدث عنه سارازاك في "مستقبل الدراما".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال