الاستطراد في مسرحية ديوان الزنج.. كيفية بناء مسرح عربي، ماهية المسرح، الموضوعات المسرحية، قانون اللعبة المسرحية، إمكانية إعادة كتابة التراث مسرحيا

إذا كان الاستطراد يشكل عنصرا مدمجا داخل بنية الحدث الدرامي في الركح الأول من مسرحية ديوان الزنج - مما يجعله استطرادا حكائيا - فإنه يتخذ في السياق الميتامسرحي للركح الثاني أبعادا أخرى ميتانصية وتناصية في آن واحد.

من ثم، نلاحظ أن المؤلف يخرج إلى الواجهة كي ينخرط في سيل من التساؤلات حول قضايا عديدة تهم المسرح منها: كيفية بناء مسرح عربي، ماهية المسرح، الموضوعات المسرحية، قانون اللعبة المسرحية، إمكانية إعادة كتابة التراث مسرحيا ...إلخ، كما يتدخل أيضا قصد التعليق على الحدث الدرامي الذي تدور وقائعه في الركح الأول.
ولعل وظيفة التعليق هاته هي التي تحول الاستطراد إلى ممارسة ميتانصية.

علاوة على هذا، فالاستطراد في الركح الثاني يصبح ممارسة تناصية يتم من خلالها استحضار أشعار لابن الرومي يرثي البصرة، وأبي العلاء يخاطب ملوك البلاد، ويحيى بن خالد يهجو علي بن محمد وثورة الزنج، بالإضافة إلى مشهد صلب الحلاج.

والملاحظ أن هذه النصوص كلها تصب في سياق الحدث الممسرح في الركح الأول. وسواء كانت لهذا الاستطراد الميتامسرحي وظيفة ميتانصية أو تناصية، فإن الخلفية المتحكمة فيه هي إعادة بناء التاريخ بطريقة موضوعية تحيط بالوقائع في مختلف تجلياتها.

وعليه، فالمسرحية منسجمة، من هذه الزاوية، مع ما سطره المدني في بيانه التقديمي عندما أكد أن استعماله للاستطراد يترجم الرغبة في الاستحواذ على الواقع المتشعب.

فثورة الزنج لا يمكن أن يحيط بها خطاب تاريخي أحادي النزعة والتوجه كخطاب الطبري، لأن وقائعها متشابكة ووجوهها متعددة، لها مؤيدون ومعارضون، ومجلسها لم يكن متجانسا وديمقراطيا في  كل حركاته، وبقدر ما كان هناك  مثقفون يساندونها بقدر ما عمل البعض على محاربتها.

وانسجاما مع هذه الرؤية التي تحاول الإحاطة بالواقع المتشعب عبر مظاهر استطرادية مختلفة، اختار المدني قالبا نوعيا يتميز بنفس المرونة والتفاعل والجدلية التي يتميز بها الاستطراد، ألا وهو قالب "الاحتفال" أو "الديوان المسرحي".

فإسناد صفة المسرحي إلى صيغة قديمة معروفة هي "الديوان" الذي من معانيه "مجتمع الصحف"، كما جاء في "لسان العرب"، يبين أن تعدد اللغات والأشكال التعبيرية هو القاعدة الأساسية لهذا العمل.

وبالفعل، فـ"ديوان الزنج" مسرحية تقوم على المزج بين المنظور والمسموع والمنطوق.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال