"عطيل والخيل والبارود": رحلة في أعماق الوعي المسرحي: دراسة مقارنة مع مسرحيات بيرانديلو

لعبة التمثيل المضاعف في "عطيل والخيل والبارود" لبشير خيّال: قراءة مقارنة مع بيرانديلو

تعد مسرحية "عطيل والخيل والبارود" لبشير خيّال من الأعمال التي تستلهم تقنيات المسرح المعاصر، وتحديدًا تقنية "المسرح داخل المسرح" التي اشتهر بها الكاتب الإيطالي لويجي بيرانديلو. وكما هو الحال في مسرحيات بيرانديلو، تبني مسرحية خيّال متخيلها على لعبة التمثيل المضاعف، حيث تتداخل الحقيقة والوهم، وتتشابك المستويات الدرامية.

مستويات التمثيل في المسرحية:

تقدم المسرحية مستويين رئيسيين للتمثيل:
  • المستوى الأول: هو مستوى الحكاية الأساسية، والتي تدور حول مجموعة من الممثلين يجمعهم الإعلان عن عمل مسرحي في "مسرح الضباب". هذا المستوى يمثل الواقع الذي يعيشه الممثلون، وهم يبحثون عن دور يؤدونه.
  • المستوى الثاني: هو مستوى الحكايات المتداخلة، والتي يتم تمثيلها من قبل الممثلين أنفسهم. هذه الحكايات هي عبارة عن شخصيات وأحداث يتم تشخيصها ضمن إطار العرض المسرحي الرئيسي، مما يخلق حالة من التداخل بين الواقع والخيال.

التداخل الحكائي والتمسرح المضاعف:

يتميز النص المسرحي بتداخل سلس بين هذين المستويين، حيث تنتقل الأحداث بين الواقع والخيال دون فواصل واضحة. هذا التداخل الحكائي يخدم وظيفة جمالية ومعرفية، فهو يساهم في خلق حالة من الغموض والتأمل لدى المتلقي، ويجعله يشكك في حقيقة الأحداث والشخصيات.

الصلة بمسرحيات بيرانديلو:

يستوحي بشير خيّال في مسرحيته العديد من الإجراءات الميتامسرحية التي استخدمها بيرانديلو في مسرحياته، مثل:
  • تساؤل الممثلين عن دورهم: يشبه هذا التساؤل تساؤل الشخصيات في مسرحية "ستة شخصيات تبحث عن مؤلف" عن هويتها ودورها في العالم.
  • التمثيل داخل التمثيل: يتمثل هذا في اللعب بأدوار مختلفة داخل العرض المسرحي، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار والتشويش.
  • التشويش بين الواقع والخيال: تسعى المسرحيتان إلى طمس الحدود الفاصلة بين الواقع والخيال، مما يدفع المتلقي إلى التفكير في طبيعة الحقيقة والهوية.

الرؤية الاحتفالية:

على الرغم من استلهام خيّال لتقنيات بيرانديلو، إلا أنه يضيف إليها رؤية خاصة به يمكن وصفها بأنها "احتفالية". فبينما يركز بيرانديلو على الجانب المأساوي للإنسان وعزلته، فإن خيّال يركز على الجانب الاحتفالي للفن والمسرح، حيث يرى المسرح كفضاء للعب والتجريب والاحتفاء بالحياة.

خاتمة:

تعتبر مسرحية "عطيل والخيل والبارود" تجربة مسرحية فريدة من نوعها، حيث تجمع بين التقنيات الحديثة في المسرح وبين الرؤية العربية الأصيلة. وقد نجح بشير خيّال من خلال هذه المسرحية في تقديم رؤية جديدة للتمثيل المضاعف، حيث يجمع بين التراث المسرحي العالمي والخصوصية الثقافية العربية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال