مسرحية "الأيام المخمورة" لسعد الله ونوس.. تشييد شعرية للمحكي المسرحي العربي ونص مفتوح شكليا ودلاليا يقوم على المزج الحاذق بين مكونات السرد والدراما

مما لاشك فيه أن مسرحية "الأيام المخمورة" عكست، بجلاء، أحد الهواجس الأساسية للميتامسرح التجريبي في النص العربي، وهو هاجس تشييد شعرية للمحكي المسرحي العربي.

وقد اختارت التناظر كمبدأ جمالي نظرا لما يسمح به من تعدد في المسارات السردية وتنوع في وجهات النظر.
هذا بالإضافة إلى قدرته التشخيصية للواقع المليء بالحقائق الغامضة والمتشابكة.

وعلى الرغم من استيحاء المبدأ الأساسي لهذه الشعرية من مخزونات التراث العربي، فإن الصيغة التي اتخذتها في نص "الأيام المخمورة" جعلت منها شعرية حداثية بكل المواصفات.

وآية ذلك، أن المسرحية هي عبارة عن "نص مفتوح" شكليا ودلاليا يقوم على المزج الحاذق بين مكونات السرد والدراما، ويعكس رؤية تدنيسية ونسبية تؤمن بأن الحقيقة غامضة وغائرة ومتشابكة.

إن هذه الشعرية تنبذ شعرية المحاكاة الأرسطية القائمة على الانسجام الحكائي (وحدة الحدث)، وتحاول تشييد مبادئ بديلة تعيد الاعتبار للمتخيل عوض الواقعي الذي يحظى باهتمام بالغ لدى أرسطو، ولا تقدم بالضرورة  ما يوافق أفق  انتظار المتفرج وبالتالي لا تخضع لمبدأ الاحتمال والضرورة، مادامت لا تقدم واقعا جاهزا أو حقيقة مهيأة سلفا.

فالأمر يتعلق بـ"امتحان الصواب"، وهذا الإجراء يحول النص إلى فضاء من الاحتمالات والتساؤلات التي يطلب من المتلقي أن يساهم في إيجاد جواب لها.

فحكايات "الأيام المخمورة" قابلة لإعادة البناء حسب شروط التلقي من ثم يمكن القول إن شعرية المحكي المسرحي  التي يشيدها ونوس هنا تخلق لنفسها إمكانات خاصة للتلقي، وهو ما يزكي نزوعها الحداثي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال