بداية الهجرة من شمال أفريقيا خاصة الجزائر إلى فرنسا.. مساعدة الألمان على بناء السور الحاجز على شواطئ المحيط الأطلسي وتعمير فرنسا بعد الحرب

أقرب الاحتمالات أن هذه الهجرة من شمال أفريقيا إلى أوروبا بدأت عام (1871م) و (1874م) وأنها كانت مؤلفة من الجزائريين فقط، وأنها كانت نتيجة ثورة قام بها الجزائريون بعد أن سيطر المستعمر على بلادهم. ويؤيد هذا القرارُ الصادرُ في 16/5/1874م الذي يطلب من الراغب في الهجرة الحصولَ على موافقة مسبقة من السلطات وتقديم كفالة مالية تضمن عودته إلى بلاده.

لكن هذا القرار ألغي في بداية القرن العشرين بقرار جديد صدر بتاريخ 24/12/1904م، وبتعميم صدر بتاريخ 28/1/1904م فاشتدت الهجرة إلى فرنسا منذ ذلك الحين.

كانت الأصناف الأولى من المهاجرين تأتي بوجه خاص إلى الشاطيء الجنوبي من فرنسا ولا سيما إلى مدينة مرسيليا.
وكان أكثرهم من صغار الباعة، والمختصين بنقل الحيوانات والخدم المرافقين للعائلات الفرنسية العائدة إلى بلادها.

وتلاها بسرعة صنف من الجزائريين الذين تحتاج إليهم الصناعة الفرنسية.
وبمقدمهم بدأت فعلاً هجرة اليد العاملة المسلمة إلى فرنسا بشكل مطرد.

وقد جرّب أحد الصناعيين في مدينة (Lens) شمالي فرنسا استخدامهم في المناجم، فنجحت التجربة وانتشر الجزائريون المهجّرون في جنوب فرنسا وشمالها وفي باريس، ثم شملتهم المناطق الفرنسية الأخرى قبل نشوء الحرب العالمية الأولى عام (1914م).

ثم بدأت الهجرة تفقد صفتها المرتجلة منذ عام (1914م)، وقد أضحت هجرة رسمية منظمة تطلبها المصانع والمصالح الفرنسية، وحال دون ازديادها في أول الأمر، موقف السلطات المستعمرة للجزائر التي لم ترتح لرحيل المسلمين إلى فرنسا، فجعلت تُقيم العثرات في طريق المهاجرين.

لكن الحكومة الفرنسية أصدرت في 14/9/1916م قراراً بمصادرة الجزائريين واستجلابهم باسم القانون للعمل في فرنسا.

وكان أكثر القادمين من مناطق القبائل في الجزائر. ثم التحق بهم العمال من تونس والمغرب الذين شملهم قرار المصادرة – " ولا يدخل في هذا، الأعداد الهائلة من الجنود الذين دُعوا للخدمة العسكرية من بلاد أفريقيا الشمالية".

وبانتهاء الحرب العالمية الأولى وقفت الهجرة إلى فرنسا وعاد أكثر المهاجرين من الجزائر وتونس والمغرب إلى بلادهم خلال عام 1919م.

غير أن حاجة فرنسا إلى تعمير البلاد بعد الحرب، واستصلاح منطقتي الألزاس واللورين اللتين استرجعتهما فرنسا لأراضيها، وقلة اليد العاملة الفرنسية لا سيما من الشباب الذين أفنتهم الحرب، كل هذا جعل الهجرة تعود إلى فرنسا بكل قوة، ومن غير مصادرة حكومية، وقد بلغ عددهم حوالي (17500) من الجزائر سنوياً خلال الأعوام 1922-1924 م.

وزاد في حدّة هذه الهجرة المجاعة التي ظهرت في الجزائر حينئذ وسوء الحالة الاقتصادية فيها بسبب سوء تصرّف المستعمرين.

وقد آثَرَ عدد كبير من الجنود الجزائريين الذين حاربوا في أوروبا العودة إلى فرنسا للعمل بعد أن سرّحهم الجيش.

ولم تعد أغلبية المهاجرين مقتصرة على مناطق القبائل، بل شملت الهجرة الجديدة العمال القادمين من مناطق الجزائر الأخرى.

وكان الأمر الوحيد الذي كان يخفف من حدتها الخلافَ القانوني بين الحكومة الفرنسية المركزية التي كانت تشجع الهجرة إلى فرنسا، وبين السلطات المستعمرة للجزائر التي كانت تعاكسها بعناد واستمرار.

ولما بدأت الأزمة الاقتصادية في الغرب في الثلاثينيات، ضَعُفَ تيار الهجرة، ثم عاد بين عامي 1936 و 1938م.

لكن نشوب الحرب العالمية الثانية أوقف الهجرة من جديد إلى أن احتاجت حكومة فيشي Vichy إلى اليد العاملة عام 1942م لمساعدة الألمان على بناء السور الحاجز على شواطئ المحيط الأطلسي، فعادت الهجرة إلى فرنسا مرة أخرى ثم توقفت حين أنزل الحلفاء مع فرنسا الحرّة جيوشّهم في شمال أفريقيا وانقطعت الصلة حينئذ بين فرنسا وأفريقيا الشمالية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

ونظراً إلى أن فرنسا مازالت بحاجة إلى تعمير ديارها التي خرّبتها الحرب وكذلك حاجتها إلى التوسع الاقتصادي، فقد شجعت الهجرة مرة أخرى من الشمال الأفريقي ولا سيما من الجزائر كما حدث من قبل عقب الحرب العالمية الأولى.
وزاد في قوة هذه الهجرة سهولة التنقل بين الجزائر وبين فرنسا القارّية.

واستمر وفود المهاجرين إلى أن قررت الجزائر المستقلة وقف الهجرة إلى فرنسا عام 1972م، وحذت فرنسا حذوها عام 1974م.

ومع ذلك استمر مجيء الزوجات والأطفال للالتحاق بالأزواج العاملين في فرنسا، وتمّ تكوين الكثير من العائلات المهجّرة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال