أفرز التاريخ البشري أشكالا متعددة من العنف، يمكن أن نميز ضمنهما بين نوعين، هما: العنف الجسدي والعنف الرمزي.
كلاهما يمارس بطرق و وسائل متعددة تتطور باستمرار بقدر تطور العلم و التقنية.
كلاهما يمارس بطرق و وسائل متعددة تتطور باستمرار بقدر تطور العلم و التقنية.
و ليس بديهيا أن تكون هذه الأشكال دائما ظاهرة، ذلك أن العنف يتحقق أيضا من خلال أشكال متخفية مثلما هو الأمر في (نقص التغذية) كما يشير إلى ذلك الفيلسوف الفرنسي إيف ميشو.
يرى هذا الأخير أن إنتاج وسائل العنف يشمل (وسائل التسليح الفردي كما يشمل وسائل التخريب الجماعي).
وبما أن هذه الوسائل أصبحت في متناول الكل: أفرادا، جماعات، دولا، فإن العنف يصير أكثر فتكا.
كما أنه أضحى أكثر اتصالا بالإعلام، على اعتبار أن هذا الأخير يسخره عن طريق نشره أو السكوت عنه.
ويخلص هذا الفيلسوف إلى أن (تطبيق التقدم التقني والعلمي على استعمال العنف وعلى كيفية تدبيره يمكننا من فهم.
1- الفعالية المضاعفة التي تم التوصل إليها فيما يخص أشكال التحطيم و التخريب.
فإبادة مجموعة بشرية ما، وإبادة مزروعات، وتهديد حياة الملايين من الناس تتطلب وسائل و تنظيما لم يسبق له مثيل.
2- من حيث إن العنف أصبح قابلا للحساب و التحكم فإنه يمكن أن يحقق مردودية حيث أصبح من الممكن فرض السيطرة بواسطة التعذيب و القمع و التهديد به).
فهل معنى هذا أن العنف هو ما يشكل ماهية الإنسان؟ هل الإنسان كائن عنيف بطبعه؟
هل يوجد العنف في طبيعة الإنسان؟
هذا السؤال يطرح نفسه بالنظرإلى قدم الظاهرة واستمرارها عبر التاريخ البشري، وهو يتعلق بما إذا كان الإنسان شغوفا بالتدمير؟
من يجيب الفيلسوف وعالم الإجتماع و المحلل النفساني الألماني إيريك فروم عن هذا السؤال بالقول: إن دراسة بعض الظواهر الإجتماعية والطقوس الشعائرية القديمة قد توحي بأن النزعة التدميرية لها جدورها النظرية في طبيعة الإنسان.
إلا أن التحليل المعمق لدلالات هذه الظاهرة، يثبت أن كل الممارسات التي تؤدي إلى التدمير ليست ناتجة بالضرورة عن (شغف بالتدمير).
بالتالي فإن التدمير ليس سلوكا ينتج بصفة عملية عن غريزة تدميرية توجد في طبيعة الإنسان بقدر ما ينتج عن دوافع ونزعات ليس من الضروري أن تكون طبيعية وذات علاقة بالممارسات والشعائر الطقوسية الدينية.
ويترتب عن ذلك أن الطبيعة البشرية ليست هي التي تولد العنف وإنما هناك طاقة تدميرية كامنة تغديها بعض الظروف الخارجية والأحداث المفاجئة هي التي تدفع به إلى الظهور.
وأما المقصود بالعنف الرمزي فهو مختلف أشكال العنف غير الفيزيائي القائمة على الحاق الأذى بالغير بواسطة الكلام أو اللغة أو التربية أو العنف الذهني، وهو يقوم على جعل المتلقي يتقبل هذا العنف (اللطيف) مثال ذلك العنف الرمزي الذي تقوم به الإديولوجيا من حيث هو عنف لطيف وغير محسوس.
يعرف عالم الإجتماع الفرنسي المعاصر بيير بورديو هذا الشكل من العنف بالقول أنه هو ذلك الذي (يمارس على فاعل اجتماعي ما بموافقته) وبلغة أخرى (فإن الفاعلين الإجتماعيين يعرفون الإكراهات المسلطة عليهم وهم حتى في الحالات التي يكنون فيها خاضعين لحتميات يساهمون في إنتاج المفعول الذي يمارس عليهم نوعا من التحديد و الإكراه) وبالنظر إلى أن هذا العنف رمزي فإنه يمارس بوسائل رمزية، أي التواصل وتلقين المعرفة.
التسميات
فلسفة