البنيوية والاهتمام بتقعيد الظواهر وتحليل مستوياتها المتعددة للقبض على العلائق التي تتحكم بها.. ثنائيات التزامن والتعاقب عند سوسير

إن أهم ما يميّز البنيوية أنها تهتم بتقعيد الظواهر وتحليل مستوياتها المتعددة، في محاولة للقبض على العلائق التي تتحكم بها.
وهذا ما يميز البنيوية منهجاً لا فلسفة، وطريقة لا إيديولوجيا.

وعلى الرغم من أن (سوسير) يُعَدّ أبا البنيويين، فإنه لم يستعمل أبداً كلمة (بنية) في كتابه (محاضرات في علم اللغة العام)، بل كان يستعمل كلمة (نسق) أو (نظام).

ولعل (بارت) هو الذي أشار إلى أن البنيوية هي محاولة لنقل النموذج الألسني إلى حقول ثقافية أخرى.

وسبق لشتراوس أن قال إن علم الفونولوجيا يمكن أن يؤدي لعلوم الإنسان ما أدته الرياضيات للفيزياء الحديثة.

وقد عرض الباحث بعض جهود (سوسير) الألسنية: تمييزه بين مستوى اللغة  Langue والكلام  parole.

حيث يقصد (باللغة) القوانين والأنظمة العامة التي تحكم إنتاج الكلام، دون أن توجد جميعاً بوصفها بُنى في كتب اللغة.
إنها السلطة التجريدية المشاعة التي يستمد الكلام منها اختياراته الفعلية.

أما (الكلام) فهو التطبيق الفعلي لهذه القوانين والقواعد، وهو محاولة كل متكلم أن ينسجم داخل مؤسسة اللغة الكبيرة بفعل فردي.
اللغة منظومة اجتماعية لا شعورية، والكلام اختيار فردي مقصود.

وقد انتقل هذا التمييز إلى علوم كثيرة، ومن هنا قول (رولان بارت): "إن اللغة ليست لبرالية، ولا ديمقراطية، وإنما هي فاشية".
كما استنبط (سوسير) ثنائيات: التزامن /والتعاقب.

(فالتزامن) عنده هو دراسة اللغة في فترة من الزمن يكون فيها المجموع الكلي للمتغيرات الحاصلة ضئيلاً جداً.

أما (التعاقب) فهو دراسة العلائق بين عناصر متعاقبة، يحلّ فيها كل عنصر بمرور الزمن، محل العنصر الآخر.

ويرى (سوسير) إن دراسة علم اللغة التزامني هي الكفيلة بالعثور على بنية اللغة  ونظامها المستقر.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال