لـمّا بلغ طارقَ بنَ زيادٍ أنَّ لُذَرِيقَ قادمٌ لحربه قام خطيبًا في أصحابه، فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه بما هو أهلُهُ، ثم حثَّ المسْلمين على الجهادِ ورغبهم ثم قال:
(أيها الناسُ، أينَ الْمَفرُّ؟ البحرُ من ورائِكُم، والعدو أمامَكم، وليس لكم واللهِ إلا الصدقُ والصبرُ، واعلموا أنكُم في هذه الجزيرةِ أضْيَعُ من الأيتامِ، في مَأْدُبَةِ اللئامِ، وقد استقبلكم عدوُّكُم بجيشِهِ و أسلحتِهِ. وأقواتُهُ موفُورَةٌ، وأنتم لا وَزَرَ لكم إلا سُيُوفُكُم، ولا أقواتَ إلا ما تستخلصونه من أيدِي عدوِّكُم، وإن امْتَدَّت بكُمُ الأيامُ على افْتِقَاركم ولم تُنْجِزُوا لكُم أمرًا ذ هبتْ ريحُكُمْ، وتعوضَتِ القلوبُ من رُعْبِها منكم الجراءةَ عليكم، فادْفَعُوا عن أنفسِكم خُذْلانَ هذه العاقبةِ من أمركُم بمناجزَةِ هذا الطاغيةَ، فقد ألقتْ به إليكم مدينتُهُ الحصينَةُ، وإنَّ انتهازَ الفرصةِ فيهِ لَمُمْكِنٌ إن سمحتُم لأنفسِكم بالموت، وإني لم أُحَذِّرْكُم أمرًا أنَا عنه بنَجْوَةٍ، ولا حمَلْتُكُم على خُطَّةٍ أرخصُ متَاعٍ فيها النفوسُ (إلا وأنَا) أبدأُ بنفسي، واعلموا أنكم إن صبرتُمْ على الأشقِّ قليلاً، استمتعتم بالأرْفهِ الألذِّ طَويلاً، فلا ترغبُوا بأنفسِكم عن نفسي، فما حَظُّكُم فيه بأوفَى منْ حظِّي.
وقد انتَخَبكم الوليدُ بن عبد الملك أميرُ المؤمنين من الأبطال عُرْبَانًا، ورضيكم لملوكِ هذِهِ الجزيرَةِ أصْهَارًا وأَختَانًا، ثِقَةً منه بارتياحكم للطِّعان، واستِماحِكُم بمُجَالَدَةِ الأبطَال و الفُرْسَانِ، لِيَكونَ حظُّهُ منكم ثوابَ اللهِ على إعلاءِ كلمته، وإظهارِ دينِهِ بهذه الجزيرةِ، ولِيَكونَ مَغْنَمُها خالصًا لكم من دونِه ومن دونِ الـمؤمنين سِواكُم، واللهُ تعالى وليُّ إنجادِكُم على ما يكونُ لكم ذكرًا في الدَّارينِ.
واعلموا أني أولُ مجيبٌ إلى ما دعوتُكُم إليه، وأني عندَ ملتَقَى الجَمْعَيْنِ حاملٌ بنفسِي على طاغيةِ القومِ لُذَريقَ فقَاتِلهُ إن شاء اللهُ تعالى، فاحمِلوا مَعِي، فإن هلَكْتُ بعدهُ فقد كَفيتُكُم أمرَهُ، ولم يُعْوِزْكُم بطَلٌ عاقِلٌ تُسْنِدُون أمورَكُم إليه، وإنْ هلكتُ قبلَ وصولي إليه فاخْلُفُوني في عزيمتي هذه، واحمِلوا بأنفسِكم عليه، واكْتَفوا الـمُهِمَّ من فتحِ هذه الجزيرة بقَتْلِه، فإنهم بعدَهُ يُخْذَلُون).
التسميات
تعبير وإنشاء 2ث