نموذج للمقال الاجتماعي.. الحياة شركة اجتماعية نظامها: خُـذْ... وأَعْـطِ - للأستاذ/ محمد حسن عواد

الحياة الاجتماعية شركة تعاونية كبرى ذات نظام واحد كبير، يتلخص في كلمتين هما "خذ وأعطِ".
وبهذا النظام يقوم الروح الاجتماعي وينتج ويسود.

والإنسان مدني بالطبع – كما يقال – مفطور على الاختلاط بأبناء جنسه، مطالبٌ أدبيًّا واجتماعيًّا بمسايرة الركب الـماشي في صحراء الحياة.

والحياة الاجتماعية كلها حياة مركبة متشابكة، قائمة على قانون النفع الـمشترك والـصالح الـمتبادلة، حياة يحتاج الـمرء فيها إلى كل ما يضطرب في أكنافها من إنسان وحيوان وجماد ونبات، يحتاج إلى الطبيعة الصامتة، وإلى الـمظاهر الراكدة، وإلى غير تلك مما هو موجود على هذه الأرض.

وتختلف الحاجة إلى هذه الأشياء، ولكنها لا تنعدم، وتتراوح بين حاجة مادية، وحاجة روحية، وحاجة اجتماعية، إلى غير هذه الحاجات الـمتعددة.

وكم بين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان والحيوان، وبين الإنسان والطبيعة من تعاون وتواشجٍ مشترك تكبر فيه صورة الوضع الذي خلق الله فيه هذا الإنسان، وهو مهيأ للانتفاع من كل شيء إذا أراد.

وقد حاولت أن أتبين مدى هذا الانتفاع، وهل يمكن أن يتصور الـمرء أطرافه أو بعض جوانبه على الأقل؟
قلت لنفسي هذا، فقالت: جرِّب ما تريد أن تجربه، فما دامت القاعدة صحيحة، فستكون النتائج مواتية.

وإذا بي أسمع بعد هذا صوتًا من الدنيا يقول: إن نظام هذه الشركة هو مادة واحدة ملخصها: "خذ وأعط " فبهذه الـمادة أو بهذا النظام يشترك كل أحد مع كل أحد، أو كل شيء مع كل شيء تقريبًا .وفي الصورة الآتية بعض بيانات هذا النظام:

خذ من صديقك ما تستطيع من علمه وتجاربه، وبما أن العلم والتجارب لاتنقص بالأخذ فأنت لا ترزؤه فيها بهذا الأخذ، بل إنك تزيده به تثبيتًا وثقة، فكأنك أعطيته كما أخذت منه، بل أنت أعطيته فعلاً شيئًا من الإيمان بنفسه.

وأعطه قبولك لهذه الـمعارف التي تأخذها منه إذا وجدتها سائغة موافقة للواقع، وأعطه تعليقك عليها بالتعديل أو الرفض إذا وجدتها تخالف الواقع، وناقشه فيها مناقشة الـمفيد والـمستفيد، فإن النتيجة ستكون أن كلاً منكما أفاد من الآخر وأفاده.

وخذ من والديك الأوامر والنواهي في شؤون الحياة، وأعطهما الطاعة فيها والرضا بتلقيها، ولا بأس أن تدخل معهما في بعض الـملحوظات في هذه الشؤون كما تعطيهما لصديقك تمامًا، ولكن مع اختلاف أسلوب الإعطاء، فأسلوبك في إعطاء الصديق هو أسلوب الجدال البريء الحر، وأسلوبك مع الوالدين هو أسلوب السؤال الـمعقول عما يشكل عليك منها إلى ما عندك من آراء حولها.

وليكن هذا أسلوبك مع أستاذك مع فارق ضئيل وهو الإلحاح في سؤال الأستاذ، والاقتصاد في سؤال الوالدين.

وخذ من الحكومة قوانينها، وأعطها طاعتك وامتثالك ونصحك في قالب مهذب، فقد يكون عندك من الآراء الاجتماعية والإدارية ما هي في حاجة إليه، ولكنها لا تسألك بَذْلَهُ لظروف وأوضاع تستعملها الحكومات، وهي ترغب لا ريب أن تستفيد من رجال شعبها فكريًّا وعمليًّا؛ لتزيد حضارتَها وتمكنَها وتصقُلَ سيادتَها وتطعِّمَها بعناصرَ نافعةٍ من الآراء والأعمال.

وخذ من الرجل العظيم أساليبه العملية الناجحة، وطبقها إذا استطعت تطبيقًا، وأعطه إكبارك وتقديرك.
وخذ من العاقل حكمته وأعطه استعدادك للاتباع.

وخذ من الـمجنون ثرثرته وغَرْبلْها ، فلعلك واجد فيها ما يستحق أن تمنحه إياه من العطف والشفقة والرثاء واحترام الـمصيبة، وأعطه هذه العواطف الطيبة مشوبة بالعبرة والشكر على نعمة العقل التي وهبك الله إياها، دون هذا الـمخلوق الضعيف.

وخذ من العدو حذره واستعداده، وأعطه نتائج يقظتك الإيجابية التي توجهها إليه مع إيحائك إليه بأنك إنما تعادي فيه روح العداء لا شخص الـمعادي.

وخذ من النهار حركته ووضوحه ومنطقه في العمل والكفاح، وأعطه نشاطك ومجاوبتك وانتفاعك بما في آيته من الإبصار.
وخذ من الليل هدوءه وجماله، وأعطه تأملك وإصغاءك.

وعلى الإجمال خذ من كل شيء ما تصلح به نفسك، وتوسع به شخصيتك، وتنمي به معارفك، وتزيد به تجاربك، وتقلل به نزعة السوء في نفسك، وتضيف به إليها من ثروة الخير ما تنسجم به في مجتمع متحضر صالح للبقاء؛ لتحقق رسالة الشركة الاجتماعية الكبرى التي أنت مندمج فيها.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال