نموذج من الخطابة الـمحفلية.. كلمة معالي وزير الـمعارف في الـمؤتر العلمي العربي الثاني لرعاية الـموهوبين والـمتفوقين

باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم أجزل الشكر وأوفاه على دعوتكم لي للـمشاركة في هذا الـمؤتمر العلمي الحيوي، وعلى تشريفي بأن أتحدث إليكم في جلستنا الافتتاحية.
إنني -أيها الإخوة والأخوات الكرام- لا أدّعي أنني خبير متخصص في مجال الـموهبة الإنسانية، وكشف أغوارها، ومعرفة أسرارها، ولكنِّي  -بوصفي عاملاً في مجال التربية والتعليم، مُحِبًّا له، مؤمنًابه، وبوصفي أعيش أحداث عصري، وأتتلمذ على قراءة التاريخ- أؤمنُ أن من أهمِّ الأركان التي تبنى عليها حضارات الأمم في الـماضي والحاضر والـمستقبل وجود نخبةٍ مخلصةٍ، متألِّقةٍ مُتفوِّقةٍ، مؤمنة بأهدافها، نذرت نفسها لتحقيقها.
لقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن يكون للـموهوبين في كل أمة أثر في توجيه المجتمعات؛ فهم العقل الـمفكر، والرأس الـمدبِّر، والرأيُ الـمنير؛ ولهذا يجد دارس التاريخ -في قديمه وحديثه- أن الأمة إذا أرادت النهوض والسبْقَ قدمت لتلك الصفوة القليلة الـمختارة من أبنائها ما تستحقه من العناية والاهتمام؛ لتقطف -بعد ذلك- ثمرة اهتمامها أضعافًا مضاعفةً: علمًا وأدبًا، ورُقِيًّا ومجدًا، وعِزّةً وقوةً.
أمّا إذا فرطت في هؤلاء الأفراد، ولم ترعهم حقَّ الرعايةِ، فستكون خسارتها جسيمة.
وكم رأينا من اليافعين النابهين من لم يجدوا من يتولى مواهبهم، فضاعوا مع الضائعين.
ولقد أصّلَ الإسلام هذا الـمعنى ؛ فورد في الحديث الصحيح أن الناسَ (معادنُ كمعادن الذهب والفضة) ففيهم النفيس، وفيهم ما دونه، وأنهم (كإبلٍ مئةٍ لا تجدُ فيها راحلةً) والراحلة عند العرب الجمل النجيب، والناقة النجيبة. وقد فهم بعض المعاصرين من هذا الحديث أن نسبة الـموهوبين الأفذاذ في جماعة ما، لا تزيد على واحد في الـمئة، وهو ما دلّت عليه بعض الدراسات التربوية والنفسية الحديثة.
أيها الإخوة، جاء تتويج جهودنا في الـمملكة لرعاية هذه الفئة بإنشاء (مؤسسة الـملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الـموهوبين) التي تَشرَّ فَتْ برئاسة سمو ولي العهد ورعايته الشخصية لها، ولَقِيتْ ترحيبًا حارًا، ودعمًا كريمًا من كبار أولي الأمر، ومن الـمخلصين الـمقتدرين من الـمواطنين الذين تبرّعوا بسخاء لتمكينها من تحقيق أهدافها.
ومن الـمناسب للـمقام أن أنقل بضعة أسطر من كلمة صاحب السمو الـملكي الأميرِ عبدِ اللهِ بِنِ عبدِ العزيزِ، وليِّ العهدِ، نائبِ رئيس مجلسِ الوزراءِ، رئيسِ الحرسِ الوطني، رئيسِ مؤسسةِ الـملكِ عبدِ العزيزِ ورجالِهِ لرعايةِ الـموهوبين في حفل افتتاح الـمؤسسة.
قال حفظه الله: (إن الـموهبة -دون اهتمام من أهلها- أشبه ما تكون بالنبتة الصغيرة دون رعايةٍ أو سُقيا، ولا يقبلُ الدينُ ولا يرضى العقلُ أن نُهمِلَها أو نتجاهلها، فمُهمّتُنا جميعًا أن نرعى غرسنا، ونوليه اهتمامَنا؛ ليشتدَّ عودُهُ صُلْبًا، وتُورِقَ أغصانُهُ ظلاًّ يُستَظَلُّ به بعد الله).
(إن أبناءَنا الـموهوبين هم عطاء الله لنا، ودورُنا تِجاههم كبير وثقيل، وإن لم نفعل ما يمليه علينا واجبُنا تِجاههم فإننا نتنكّر لعطاء الـمولى سبحانه ولا نستحقُّه).
أيها الإخوة الفضلاء، إنّ من أهمِّ ما ينبغي العناية ُ به في التربية والتعليم عمومًا، وفي برامج رعاية الـموهوبين خصوصًا أمرين:
أولهما: التركيز على العقيدة الصحيحة، والأخلاق الفاضلة، والعادات الحميدة، فإن الـموهوبَ مظِنّةُ الاستعلاء على الناسِ بموهبتِه، ومَظِنةُ اساءة استعمال قدراتِه الـمتميزة، إن لم يعصمه من ذلك عاصمُ الخوفِ من اللهِ، والخلقِ الكريم الذي تربى عليه، فالعلم دون أخلاق قد يُدمِّر صاحبه، ويُدمِّر الـمجتمع الذي يعيش فيه.
وثانيهما: شحذُ مقدرة الـموهوب على التفكير الإبداعي، وتعريفه بعيوب التفكير ومزالقه وأخطائه حتى يتجنبها، ولا يُؤْتى من قِبلِها؛ فإنه "من مأمنِنه يُؤتى الحذِرُ."
إنّ التفكيرَ هو آلةُ الإبداعِ ، ومادتُهُ ووسيلتُه، وكما أن الـماء العذبَ الزُّلال قد يكونُ كامنًا في جوفِ الأرضِ لا يُنتفعُ به إلا بعد اكتشاف مكانه، والحفرِ للوصول إليه، كذلك ملكة التفكير، لا بُدّ من الكشف عنها، ثم تغذِيَتِها، وتدريبِها، وتدريب الـمعلمين الذين سيقومون بتدريبِها.
إنني أؤمل في مؤتمركم الخيرَ الكثيرَ، وأن تضعوا تصورًا نُفيدُ منهُ، يقودُنا إلى الطريقةِ الـمُثلى للكشف عن الـموهوبِ، ورعايته، واستثمارٍ أمثلٍٍ لقُدُراتِه.
إن وطننا العربي منجم ٌ ضخمٌ مملوء بالكنوزِ ، وبإمكانِ الكنزِ البشري أن يجعلَ الوطنَ في القِمّةِ: ثراءً، وعطاءً. فلْتكونوا -أيها الإخوةُ الـمؤتمرون- الـمكتشفين والنابشين عن هذه الجواهر الكريمةِ الـمكنونةِ.
أيها الإخوةُ الأعزّاء، أكررُ لكم شكري، أسأل اللهَ لـمؤتمركم هذا النجاح، وأن يوفقنا جميعًا إلى العمل على كل ما فيه مصلحة أوطاننا وأبنائنا وأمتنا الـمجيدة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال