بينت الدراسات العلمية السيكولوجية مدى العلاقة القوية بين الحالات النفسية الانفعالية وأداء أجهزة الجسم لوظائفها الفيزيولوجية العضوية، وضرورة حدوث توافق بين الحالتين ليكون الأداء جيدًا ويحقق الشخصُ حالةً من التوازن بين الوظيفة النفسية والوظيفة العضوية.
فالتأثير متبادل بينهما والانفعالات النفسية تؤثر سلبًا أو إيجابًا على وظائف أعضاء الجسد، ومدى صحة أجهزة الجسم وسلامتها أيضًا يؤثر على طبيعة الحالة النفسية والعصبية للإنسان.
ونضرب مثلاً على ذلك الغدد الصم في جسم الإنسان البالغة ست غدد، والتي تحدد طبيعة الحالة النفسية للشخص ،وأي خلل في أدائها ينتج عنه تغير في طبيعة ومزاج الإنسان وقواه العقلية والانفعالية من: الهدوء، التوتر، الاكتئاب، الـملل، العدائية، التفاؤل، العصبية... إلخ.
وبالعكس فإن أي خلل أو انفعال نفسي طارئ يتعرض له الشخص يؤدي إلى حدوث خلل في أداء وظائف الغدد وتؤدي إلى حالات مَرَضيَّة مختلفة مثل: السكر، وانحلال الدم، واليرقان، والقرحة، وبعض أنواع السرطان، والالتهابات الجلدية وغيرها.
كل هذه الأمور تؤثر بشكل أو بآخر على تحديد سلوك الإنسان، وردة فعله وعلاقته بالآخرين، وقدرته على التكيف مع محيطه وبيئته الاجتماعية.
ولا شك أن التجربة والـممارسة والخبرة تعطي الإنسان قوة وقدرة على تجاوز العقبات والتغلب على الـمشكلات، وتجعله أكثر ثقة بنفسه وأقل توتُّرًا وتسرعًا في ردود فعله الانعكاسية السلبية التي تؤدي إلى فشله في مواجهة الـمواقف الحياتية اليومية والطارئة، والصدمات الـمفاجئة، فيعمل على الفرار من الـمجابهة والانعزال عن الناس والـمجتمع، وسيحتاج عندها إلى العلاج والـمتابعة وإعادة تأهيله من جديد في معترك الحياة؛ ليكتسب الـمهارات اللازمة ليستمر في حياته الطبيعية، وإعادة التجربة واكتساب الخبرة سيساعده كثيرًا للتكيف مع الـمجتمع من جديد.
يمكن أن نذكر مثلاً على ذلك الطفل الصغير إذا سمع صيحة قوية مفاجئة يخاف ويبكي دون أن يعي سبب ذلك، وإذا رأى صورة شبحٍ ما في الظلام مع صوت غريب يرتعب فتزيد نبضات قلبه، ويصفر وجهه، ويجف حلقه، وتتحرك أحشاؤه، وينتصب شعر رأسه.
كل هذا يحدُثُ له بتأثير إفرازات الغدد الصم في عملية مواجهة غير متكافئة لهذا الـموقف الذي يصوره خياله أنه شبح عفريت أو جني أو وحش ما.
في الـمقابل الرجل البالغ الذي تعود السير في الظلام والجلوس في العتمة فاكتشف أسرار الليل، وحقيقة خيالاته وأشباحه، فإنه سيقابل تلك الـمواقف ببرودة أعصاب دون توتر أو انفعال نفسي، ويتعامل معها بثقة واطمئنان، فالـمعرفة والخبرة ضروريان للـمحافظة على توازن نفسي انفعالي معتدل في الـمواقف الحرجة.
وبالعودة إلى العلاقة بين الانفعالات النفسية والوظائف العضوية لأجهزة الجسم تنشط الغدد الـمختلفة في الـمواقف الطارئة والـمفاجئة فتفرز كمية من الهرمونات في الدم تحدث تغيرات مهمة في عمل وظائف أجهزة الجسم منها: زيادة نبضات القلب والخفقان، تقلص الأوعية الدموية، ضخ كمية أكبر من الدم في الشرايين تؤدي إلى احمرار الوجه ،وارتفاع الحرارة، وتعرق الجسد، وتتأثر حركة الأجهزة الهضمية والبولية والتنفسية، وأحيانًا يحدث للشخص حالة إغماء.
كل هذا يحدث فيما يسمى خلق موقف دفاعي وتهيئة الـمواجهة مع ما يظنه الشخص خطرًا داهمًا، أو مخاوف غامضة ستسبب له الأذى، فإما أن يحقق الإنسان توازنًا انفعاليًّا وعصبيًّا قادرًا على اجتياز الاختبار بنجاح، وإما أن تؤدي إلى تراكمات دفاعية زائدة تدفعه إلى الانهيار والإغماء والإخفاق.
هذه الـمظاهر تحدث مع كل الأشخاص عند خوض التجارب الأولى في الحياة كمقابلة مسؤول كبير لأول مرة، أو إلقاء خطبة أمام جمهور لأول مرة، أو دخول معلم إلى الصف لأول مرة، وغيرها من الـمواقف التي تحدث توترات وانفعالات نفسية، وستكون الثواني الأولى حاسمة، فإما أن يتغلب على ارتباكه، ويضبط توتره النفسي، وينجح في الـمواجهة، وإمّا أن يخفق ويفرّ.
وسيحتاج إلى تجارب كثيرة؛ ليعيد الاعتبار إلى شخصيته.
ولا يبهرنا نجاح الخطباء والقادة السياسيين والأدباء، وقدرتهم الفائقة على مواجهة الجماهير وإقامة العلاقات الـمثيرة للإعجاب والحسد؛ فقد مروا جميعًا بالـمواقف نفسها،وتعرّضوا للانفعالات بدرجات متفاوتة، لكن الخبرة والـمران أكسبهم تجربة وقدرة وثقة بالنفس، فالـممارسة والتعود تخفف من حدة الاضطرابات وكمية الهرمونات التي تفرزها الغدد بكمية أقل، ومناسبة أكثر لـمواجهة الـمواقف الحرجة التي تمكن الإنسان من إدارة الأزمات بهدوء، والتحكم في الانفعالات العاطفية والنفسية بشكل جيد وفعال.
التسميات
تعبير وإنشاء 2ث